المملكة العربية السعودية ليست دولة صغيرة ولا دولة هامشية، بل هي دولة مؤثرة، وتتمتع بثقل إسلامي وعربي ودولي، جاء من خلال مكانتها وعلاقتها السياسية ومواقفها الإنسانية التي تبلورت خلال عقود من الزمن، ولعل العمل الخيري الذي اضطلعت به المملكة منذ تأسيسها ودورها في إغاثة المنكوبين في العالم من خلال واجبها الديني والإنساني هو أبرز سمات هذه الدولة المعطاءة، التي اعتاد قادتها وشعبها على بذل الغالي والنفيس من أجل إغاثة المنكوبين، ولعل العمل الخيري مثل غيره من الأعمال تطرأ عليه بعض الإخفاقات، بل هو مهيأ أكثر من غيره نتيجة البعد التطوعي القائم عليه، لاسيما في بلد حديث لم يتبلور فيه العمل المؤسسي بشكل واضح. لذا فإن النكسة الكبيرة التي شهدها العمل الخيري في المملكة العربية السعودية بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر، التي مر عليها اليوم عقد من الزمن، كان من الواجب أن تحل مشاكل هذا القطاع الذي شهد إغلاق مؤسسات كبرى كمؤسسة الحرمين الخيرية، وتجميد عدد آخر، وأن يشهد حلا من خلال التوجيه الملكي الذي قضى حينها بتوحيد الجهود من خلال مؤسسة كبرى، تعكس صورة المملكة العربية السعودية ودورها الريادي الديني والإنساني، الذي ينتظره الكثير من العاملين في العمل الخيري وطال انتظاره. لدينا اليوم هيئة الهلال الأحمر السعودي التي بإمكانها القيام بأعمال إغاثية كبرى، على منوال غيرها من الهيئات العالمية الرسمية، والتي إلى الآن يقتصر وضعها على الإسعافات، بينما المواد التأسيسية تنص على ما هو أشمل من ذلك، وهو المشاركة في تخفيف حدة المصائب والآلام البشرية دون تمييز أو تفرقة في المعاملة، بالإضافة إلى المادة الخامسة التي تقول: "تتمتَّع هذه الجمعيةُ بجميع المزايا والحصانات الواردة في اتفاقيات جنيف، وكذلك جميع المزايا التي تقضي بها أية اتفاقيات دولية أخرى تُعقَد في المستقبَل". إذا بالإمكان تطوير هذه الهيئة لتكون مظلة العمل الخيري السعودي، من خلال توحيد الجهود وعمل مجلس استشاري يضم أعضاء الجمعيات الخيرية، ومن خلاله يتم صرف التبرعات وفق رؤية المجلس الاستشاري، وفي ذات الوقت يتم تواجد المملكة في القضايا الدولية المصيرية والكوارث والنكبات بشكل فعلي وليس كداعم فقط. اليوم تبلغ المؤسسات الخيرية في السعودية 447 جمعية خيرية، تدعمها الدولة بأكثر من ملياري ريال سنوياً، وبلغت إيرادات تلك المؤسسات غير الربحية ما يقارب المليار ريال فقط، وهو رقم ضئيل في العمل الخيري مقارنة بالدخل الخيري للمؤسسات الأميركية، حيث منح الأميركيون المؤسسات الخيرية 306 مليارات دولار عام 2006. ولعل هناك أسباباً عديدة لهذا التراجع الكبير، فلا شك أن الإنفاق للعمل الخيري قبل أحداث سبتمبر مختلف عما هو عليه الآن، ولعل هناك أسباباً كثيرة أهمها التضييق الأميركي على العمل الخيري الإسلامي والسعودي تحديداً، بالإضافة إلى أن هناك أخطاء كبيرة في العمل الخيري، من أبرزها عدم تحديد أهدافه واختلاطه بأهداف أخرى، والإفصاح والتدقيق كشفتها الضغوط المتتالية. اليوم مؤسساتنا الخيرية تتمتع بشفافية إلى حد ما، يجعلنا متفائلين في أن تعكس هذه المؤسسات توجه الدولة والمواطن تجاه القضايا الإنسانية في العالم، لاسيما أننا نعيش في شهر الخير ونعاصر مجاعة هي الأسوأ منذ ستين عاما على إخواننا في الصومال، ولكون هذا البلد لم يشهد استقرارا ولا رخاء منذ عقود فإن علينا واجبا إنسانيا تجاهه، ولعل هذه الفرصة يمكن أن تكون انطلاقة جديدة للعمل الخيري تحت مظلة الهلال الأحمر السعودي بشكل فاعل، أو من خلال مؤسسة دولية كبرى تتمتع بقيادة متميزة في إدارتها بعيدا عن الاجتهادات الفردية والبيروقراطية الداخلية، ورمضان كريم.