المتابع لتصريحات بعض المسؤولين في الوسائل الإعلامية، والتي تأتي رداً على الانتقادات الموجهة إلى جهاتهم التي ينتسبون إليها، يجد أنها تفتقر إلى الشفافية والوضوح، ويغلب عليها الصفة الإنشائية، التي لا تسمن ولا تغني من جوع، وليس هذا فحسب، بل إن البعض يستغل هذه التصريحات في عمل دعاية للجهة التي يعمل بها، لأنهم يعلمون جيداً أنه لا أحد يستطيع التحقق منها وبالتالي معرفة مدى مصداقيتها. وفيما يلي استعرض عدداً من التصريحات الصادرة من المسؤولين في بعض الجهات الحكومية لعدد من القضايا التي أثيرت في الصحف والوسائل الإعلامية الأخرى محاولاً توضيح أوجه النقص والقصور فيها، وبالطبع فأنا لا أنفي ولا أثبت صدق هذه التصريحات، ولكن سوف أتناولها من المنظور الرقابي الذي يتوافق مع مبدأ الإفصاح والشفافية: 1) نفى وكيل جامعة أم القرى للشؤون التعليمية كافة الاتهامات الموجهة إلى موظفات الجامعة والتي تتعلق بالمحاباة والمحسوبية لبعض الطالبات، مطالبا بالدليل، مؤكدا أن إجراءات القبول تتم وفق الضوابط المعلنة. ووفقاً لهذا التصريح فإنه من المعلوم صعوبة الحصول على أدلة إثبات ومستندات تثبت وجود الواسطة في مثل هذه الحالات من قبل المواطنين أو الصحف ولكن مخاطر المحسوبية تظل موجودة حتى ولو كانت احتمالية، كما أن إجراءات القبول فمن المنطقي أن تكون موجودة، وإلا فإن العمل يتم بطريقة عشوائية، ولكن الجميع يعلم أن أي نظام إجرائي يعتريه بعض الثغرات التي يمكن أن تستغل في تنفيذ أعمال غير مشروعة، ناهيك عن ماهية الضمانات التي تؤكد تطبيق هذه الإجراءات، هذا من جانب. ومن جانب آخر، فإن من سلبيات عمل القطاعات النسائية بشكل عام أن السلطة والصلاحية تتركز في الغالب في المديرة المسؤولة عن هذا القطاع، بما يشبه الهيمنة، لذا من الممكن أن تقترح ترقية من ترغب، ومكافأة من ترغب، وتعيين من ترغب وقبول من ترغب، بحجة أن ذلك جاء وفق توجيهات الوكيل أو المسؤول الأول في الجهة، وذلك في عدم وجود مراقبة وتدقيق لهذه القرارات لأنه في النهاية يتم الاعتماد على التقارير التي ترفعها المديرة أو المشرفة المسؤولة، حيث تستطيع في ظل هذا الوضع أن تكيف الأوراق ومحتوياتها، بما يكفل تحقيق مطامعها، وفي النهاية ما على المسؤول الأول في الجهة أو مساعده إلا الاعتماد على هذه التقارير. وبناءً على ما سبق كان الأجدر والأفضل لوكيل جامعة أم القرى أن يوضح آليات عمل القبول في الجامعة، وكيفية الرقابة والإشراف عليها، وتوضيح الصعوبات والمعوقات التي تواجهها الجامعة في هذا المجال، والمخاطر المحتملة مثل الواسطة وكيفية التقليل منها وما قامت به الجامعة في سبيل ذلك، مع ضرورة إجراء التحقيق اللازم لما ورد في الصحف من شكاوى الطالبات، ونشر نتائج هذا التحقيق على موقع الجامعة على الإنترنت والوسائل الإعلامية، وذلك تحقيقاً لمبدأ الشفافية مع وضع آليات مناسبة لذلك ومن ذلك على سبيل المثال نشر نتائج القبول للطالبات في كل قسم من الجامعة بجانب توضيح معدلات النجاح. 2) في تصريح لرئيس جمعية حماية المستهلك في إحدى الصحف المحلية والذي قال فيه :" لدينا أكثر من 70 برنامجًا كل واحد منها أفضل مما هو موجود في العالم" ..ولكن لم يتم البدء في تنفيذ هذه البرامج بسبب أن وزارة التجارة لم تصادق على إدارة الجمعية. من التصريح السابق وبغض النظر عن أن هذه البرامج أفضل من البرامج الموجودة في دول العالم لأنها لم تطبق من الأساس، ولكن كان من المفترض توضيح نوعية هذه البرامج، ولماذا تم اعتمادها، وما هي الأسس التي بنيت عليها، وهل تم نشر تفاصيلها في موقع الجمعية على الإنترنت؟، كما لم يوضح رئيس الجمعية سبب عدم مصادقة التجارة على إدارة الجمعية..وإلى أي مدى يمكن حل هذه المشكلة.. وأخيراً لم يوضح الرئيس ما الذي يجري داخل إدارة الجمعية بالتحديد؟!. 3) جاء في تصريح إدارة العلاقات العامة والإعلام بوزارة الشؤون البلدية والقروية بخصوص الموضوع المنشور في إحدى الصحف المحلية بعنوان (مقاول الباطن التنفيذ تحت الطاولة) النص التالي: "..إن الأنظمة والتعليمات تضمن بقاء المقاول الرئيسي مسؤولاً مسؤولية كاملة عن تنفيذ المشروع ولا يجوز له أن يتنازل أو يتعاقد من الباطن إلاّ بموافقة الجهة صاحبة المشروع". صحيح أن الأنظمة والتعليمات تنص على ذلك، ولكن يحدث أن يقوم المقاول بالتعاقد من الباطن مع مقاولين غير أكفاء، دون موافقة الأمانات، لذلك ما هي الضمانات والآليات التي تمنع هذه الممارسة؟ وما هي نوعية العقوبات المطبقة على هذه المخالفة؟ وهل هناك حالات تم اكتشافها؟ وماذا عن مخاطر تواطؤ المهندس المشرف أو المكتب الاستشاري مع المقاول؟ فهل هناك إجراءات تقلل من هذه المخاطر؟ وأخيراً أليس من الأجدر توضيح هذه المسائل في مثل هذه التصريحات في الوسائل الإعلامية؟ 4) جاء في تصريح وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون الكهرباء للوسائل الإعلامية النص التالي: " التلوث واقع عالمي إلا أننا مجتهدون لتقليل النسبة، كما أن نسبتنا أقل بكثير عن الدول العالمية" ويا ترى ما هي نسب التلوث بالتحديد؟ وهل هناك بيانات منشورة لهذه المقارنة مع دول العالم الأخرى؟ وما هي الأجهزة المستخدمة في قياس التلوث؟ وهل هي موجودة في جميع محطات الكهرباء؟ وما هي الإجراءات التي تقلل من نسبة التلوث؟ أكتفي بما سبق ذكره من أمثلة على بعض تصريحات المسؤولين، والأهم في هذا الموضوع هو أن تضع الجهات الحكومية آلية واستراتيجية واضحة لتحقيق مبدأ الشفافية والوضوح وفي تعاملها مع الوسائل الإعلامية، وأخذ رأي المواطن وشكواه في الاعتبار وبقدر كبير من المسؤولية والاحترام.