ليس هناك ما هو أسوأ وأكثر اسفا من أن يحصل الناس في مجتمع متقدم ما ، على العلاج والتعليم لقاء مقابل مادي . العلاج لقاء المال يعني حصول أبناء المجتمع على مستويات متفاوتة من الرعاية الصحية ، فإذا كنت من المقتدرين كان بإمكانك أن تحصل على أفضل مستويات الرعاية الصحية ، وإذا كنت من الفقراء فعليك أن تتقبل الحصول على مستوى قد يكون متدنيا من الرعاية الصحية . ونفس الشيء ينطبق على التعليم . فإذا كنت من المقتدرين ستسطيع أن توفر لأولادك أفضل مستويات التعليم ، وإذا كنت من الفقراء أو حتى من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة ، فإنك لن تستطيع الحصول على المستوى المأمول من التعليم ! العلاج مقابل المال يعني أن المجتمع لا يهتم بأرواح الناس بشكل متساو وعادل ، بل حسب ما يمتلكه كل إنسان من ممتلكات ورصيد نقدي . أي أن الروح ليست لها قيمة بمعزل عن الثروة . والتعليم لقاء المال يعني حرمان أبناء المجتمع من مبدأ تكافؤ الفرص ، واحتكار المعرفة التي تؤهل أصحابها للحصول على المراكز القيادية في الحياة السياسية والاقتصادية ، وحصرها في طبقة معينة هي طبقة كبار الرأسماليين . وحتى وإن نجح أحد المنتمين إلى الطبقة المتوسطة وأصبح أحد الشخصيات المؤثرة فإن ذلك لا يعني بأنه يمكن أن يأخذ الطبقة التي جاء منها إلى حيث وصل . نجاح قلة من المنتمين إلى الطبقة المتوسطة لا يمكن أن يستمر دون الالتزام بقوانين اللعبة التي تقتضي الحفاظ على أدوار ومواقع كل طبقة اجتماعية كما هي . احتكار التعليم الجيد يعني احتكار القوة ، واحتكار القوة يعني احتكار القرارين السياسي والاقتصادي . بمعنى آخر فإن احتكار التعليم يعني الحفاظ على مكتسبات طبقة معينة وحصر السلطة فيها . الدول الاسكندنافية فطنت إلى خطورة ما سبق ذكره ، وعلى هذا الأساس فقد رفضت تلك المجتمعات وما زالت ترفض ، أن تتحول الرعاية الصحية أو الخدمات التعليمية لديها إلى ميدان للعمل التجاري . وهذا يعني أن جميع ابناء المجتمع في تلك البلاد يحصلون على نفس المستوى من التعليم والرعاية الصحية . ليست هناك ديمقراطية فعلية بدون تكافؤ فرص .