دعوة الخليج: قبل أن يسقط المشرق من الذاكرة المغربية؟ انباؤكم - د . فؤاد أبو علي قبل مدة ليست بالطويلة، كتب الدكتور فهمي هويدي مقالة توصيفية للعلاقة بين قطبي العالم العربي أثناء زيارته للمملكة ومشاركته في إحدى الندوات. والخلاصة التي وصل إليها هي انشغال المشارقة بهمومهم عن متابعة ما يجري بالمغرب حتى غدا لدى أشقائنا جهل بطبيعة التجاذبات السياسية والاجتماعية التي تعتور المجتمع المغربي. ولم ينس الدكتور فهمي التأكيد على: " أن في المغرب فئات ومنظمات مازالت قابضة على الجمر، ومستبسلة في الدفاع عن هوية المغرب ورافضة التغريب والتطبيع. لكن تلك الفئات التي لا تملك إلا رفع الصوت والإعراب عن الغضب، تحتاج إلى دعم ومساندة نظرائها في المشرق، خصوصا المثقفين المهجوسين بهموم الأمة والحادبين على مصيرها". فهل تشكل دعوة المغرب للانضمام إلى مجلس التعاون الخليجي استيقاظة ولو متأخرة للمشارقة ؟ قرأت كثيرا من التحاليل والدراسات والتأويلات للدعوة الخليجية سواء المغربية أو المشرقية. فبعضها يربطه بالربيع العربي والخوف من ثورات الشباب الممتدة، وآخرون يربطونها بمحاولة بناء ناد للملوك صامد ضد رياح التغيير المعتملة في كل الأقطار العربية، وآخرون يعطونها تأويلا اقتصاديا لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، والبعض اعتبر الأمر مجرد نكتة صعبة التصديق..... وتضارب هذه التأويلات وتعددها آت من فجائية الدعوة. فلا أحد كان يتصور الأمر، بل لم يكن في الحسبان أن تطلع هذه الدعوة في هذا الوقت بالذات. وبالرغم من أن النظام المغربي خوفا من النقد والتجاذب الداخلي حاول أن ينأى بنفسه عن المعرفة المسبقة بالدعوة والتروي في قبولها، فالأكيد أن للأمر صيغا كثيرة للمقاربة والقراءة. والذي يهمنا في هذا المقام هو العمق الحضاري والجيو ستراتيجي للمسألة. فبعد أن ترك المغرب لمشاكله الخاصة والارتهان في قلب الصراعات القطبية بين الاستعمارين القديم والحديث، والدخول في حلبة التجاذبات الهوياتية المفضية إلى التشظي، تأتي الدعوة الخليجية لتعيد الأمل ل "القابضين على الجمر" وتحيي الحلم بالعمق الاستراتيجي للمملكة الذي لا يمكن إلا أن يكون نحو الشرق. وإذا كانت بعض الدعوات التي تحلم بفصل المغرب عن عمقه الحضاري وتأسيس فضاء جديد بعيدا عن العالمين العربي الإسلامي قد وجدت تربة خصبة لدى النخبة الفرنكفونية التي تحلم بتغيير لمنظومة القيم المؤسسة للمغرب، فإن الأوان قد حان لمعالجة هذه الاختلالات من خلال مرتكزات الدعوة الخليجية: 1. استحضار القواسم المشتركة بين المغرب ودول الخليج: الدين الإسلامي والروابط التاريخية العريقة التي تصل إلى ما قبل الفتح الإسلامي لإفريقية، والتي لم تفقد وهجها إلا بعد الاستعمار، قبل الدخول من باب الحسابات السياسية والاقتصادية الضيقة. 2. الاختلاف السوسيولوجي واقع لا يمكن إنكاره والذي نتج في جزء منه عن ظروف التشكل المختلفة بين المشرق والمغرب. لكن هذا الاختلاف لا يلغي أوجه التوافق التي يمكن من خلالها بلورة وحدة اندماجية حقيقية بالرغم من البعد الجغرافي. 3. الموت السريري للجامعة العربية بالرغم من المساحيق التي تغلف بها في كل حين أدى إلى انزواء الدول العربية في قطريتها القزمية وهو ما مثله شعار"تازة قبل غزة" عند بعضهم وأدى إلى الغياب الكبير للمغرب دوليا وإقليميا. 4. غياب أهل الخليج عن واقع المغرب والتجاذبات الهوياتية التي تروم فكه عن عمقه المشرقي قد يهدد انتماءه الحضاري. لذا فهذه الدعوة قد تشكل محاولة لإنقاذ صفاء الانتماء وتعيد بعض الروح لعلاقات الانتماء. وهذا ما استحضره مجلس رئاسة اتحاد المغرب العربي في دورته العادية الأولى، بالعاصمة التونسية في يناير 1990م. 5. بالرغم من التقدم الحقوقي والاقتصادي والمؤسساتي الذي حققه المغرب، فإن الاستفادة المتبادلة بين القطبين الخليجي والمغربي قد تتيح إمكانية التأثير المتبادل في مسار الأحداث. إن المغرب في حاجة إلى دعم حقيقي من أجل إصلاحاته السياسية والحقوقية، لكنه في دعم أكبر للحفاظ على هويته الحضارية التي لو ترك للتجاذبات القطبية والهيمنة الفرنكفونية لانتهى انتماؤه للأمة وفقد بوصلته الحضارية. وفي الدعوة الخليجية بالرغم مما يلفها من غموض محاولة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.