هنالك فرق شاسع مابين الإثارة والاتزان. ومن هنا تظهر شخصية الإنسان. فهناك -أشخاص أو كيانات - من يسعى للإثارة منهجاً في سبيل إيصال أهدافه أو أفكاره أو مصالحه ومصالح غيره. وهناك من يختط الحقيقة المُجردة يقولها بكل نزاهة رغم إدراكه بالمتاعب والعداوات التي ستواجهه أو ربما محاربته بشخصه أو أسرته ومستقبله وحتى حياته. الشجاع من يصدع بالحق بصرف النظر عن أي شيء آخر. صحيح أن اختيار الوقت والظرف المناسبين عامل مهم لتفادي أي سوء فهم. قد كُنا في وسائل الإعلام والصحافة بالذات نقول عن التشدد أو التطرف بأنه سبب رئيس في إعاقة المجتمع عن التقدم بالسرعة التي ينشدها كل محب لهذه البلاد. وحاولت الجهات المختصة قدر إمكانها نشر ثقافة الحوار والوسطية وقبول الرأي الآخر، إلا أن البعض أصرّ على سلوك منهج التشدد الذي لن يؤدي إلاّ إلى المزيد من التخلف عن الركب العالمي والانكفاء على الذات والتمحور حول الرؤى الضيقة بل الضيقة جداً. الشيخ أحمد الغامدي -رئيس هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في منطقة مكةالمكرمة سابقاً- اُستضيف في إحدى الصحف الإلكترونية وقال وبكل وضوح إنه قد تعرّض لتأثير التشدد كغيره ممن خالط ونشأ ضمن ذلك الوسط إذ البيئة العلمية والدعوية التي تسيدت الساحة فترة طويلة تعج بالتشدد والأبواب مشرعة لها، وتأثر المتلقي بالتشدد في مثل تلك البيئة أمرٌ بدهي لتفشي نشاطات التشدد المتنوعة، وبرامجه ووسائله المختلفة التي تصل إلى عموم شرائح المجتمع لأدلجة العقول من دروس إلى أشرطة إلى محاضرات إلى ندوات إلى خطب إلى مجلات إلى مقالات إلى مطويات إلى كتيبات وكتب إلى حلقات إلى لقاءات إلى "خرجات" إلى رحلات إلى مراكز صيفية إلى مخيمات دعوية إلى مواقع ومنتديات ورسائل الكترونية إلى مؤتمرات إلى جماعات إلى جمعيات إلى قيادات ورموز فكرية وأكاديميين ومعلمين وموظفين مُنَظِريْن وداعِمِين وآخرين مستَغَلَّيْن لخدمة ذلك التيار المتشدد بشعور أو بغير شعور ومن مختلف شرائح المجتمع مسؤولين وموظفين وأعيان ووجهاء وتجار وأرباب جاه أو مال أو سلطة وهلم جرا في سلسلة طويلة ..الخ". وحيث الكلام السالف (نصّاً) من رجل مسؤول وشهير لن أعلق عليه بل أقول كم نحن بحاجة إلى مثل هذه المكاشفات التي أراها كتشخيص للمرض ومن ثم لابد من اختيار العلاج المناسب.