في الدول العربية التي قامت فيها ثورات ومظاهرات , نلاحظ أن الحكومات والمعارضة – في سياق توظيف سرديات ونصوص الدين ( اقواله وعباراته وألفاظه ) وجهان لعملة واحدة , لفظ (الفتنة ) من قبل النظام الحاكم ولفظ ( الظلم ) من قبل المعارضة , ففي الإعلام الحكومي العربي وإعلام المعارضة , الاستشهاد بأوهن واضعف الروايات وشذوذ التفاسير , بغية التأثير في الرأي العام , وكل منهما ( السلطة والمعارضة ) يؤكد أن الله معه , وانه يمثل الصواب والتطبيق الصحيح للدين , إن الذي يسكت عن الظلم هو الظالم , في جدلية ( الظلم / الفتنة ) حصاد الحكومات كان النتيجة , اما السبب فهي الشعوب التي سكتت عشرات السنين عن الظلم , والاقسى حين تندد النخبة المؤمنة بهذا الظلم وهم يتلون نصوصاً من الدين , تحرم الظلم وتغُل يد الظالم , ولأن المرجعية النصية واحدة فللحاكم نفس الحق الذي تطالب به النخبة المؤمنة وهو الرجوع لمدونة الدين وتلاوة النصوص التي تجيز له الاعتقال . إذن وبما أن الدين حمّال اوجه , ووجوه الاستشهاد بنصوصه مطلقة , فهو بالتالي مطية تلك الحكومات ومطية المعارضة , وسواء كانت الحكومة أو المعارضة فرداً أو مجموعة , فالعلة الابتدائية هي جعل مايمكن تفسيره على عدة وجوه هو الحكم وهو المرجعية في التنازع , فالاقوى هو الذي سيفرض رأيه بالحديد والنار والاعتقال أوبالاعتراض والتشغيب , فالاحتكام للدين سواء من قبل المطالب الشعبية أوفرضه من قبل السلطة , هو احتكام لحجة بالغة نصية , يمثلها بشر له نزعاته واهواؤه , يؤولها ويفسرها بحسب قوته ومكانته أو ضعفه ومسكنته . فمايطلبه الناس من الحكومات وهو أن تلتزم بالدين , الذي يرعى مصالح الناس بالعدل والشورى ,هو نفس ماتفرضه الحكومات على الناس بالالتزام بالدين الذي يرعى المصالح العامة ويؤمن المنفعة الخاصة ويئد الفتنة , وكل من الحكومات والشعوب التي تمثلها النخبة والمعارضة , كلا الجانبين يوظف ويستثمر نفس النصوص , ولكن بالصيغة والعبارة واللفظ والرواية التي تخدم موقفه ومصلحته , فمالمشكلة وماالحل؟. المشكلة أن الدين - بنزاهته وطهارته وقداسته - صار مسرحاً لاستعراض فنون الايدلوجيا السياسية والدينية , ولأن الحرية كل لايتجزأ , ومن يروم حرية منضبطة أو حرية مسؤولة أو حرية محددة , استناداً إلى نص ديني يمكن تفسيره على عدة وجوه , هو كمن يقول ( ما أريكم إلا ما أرى ) وسيفرض نوع وحجم ولون وحدود وسقف وقواعد وقانون الحرية بما يراه يحقق اهدافه ورؤيته البشرية للحياة , وسواء كانت هذه الحرية هي حرية المعتقد أو حرية التفكير أو التعبير أو النقد ,أو حرية المأكل والملبس والتنقل وتقرير المصير , وكل انواع الحريات التي يحتاجها الناس في حياتهم , فإن كان المرجع في ( تعريف وضبط وتحديد وتقنين ورعاية وكفالة ونشر وحماية ) هذه الحرية هو (نص ديني مقدس ) قائله منزّه عن النقائص ومتصف بالكمال , وهو اعلم بشؤون خلقه , لكنه لايصادق بنفسه على اصح واحق وادق التفاسير والتطبيقات لهذا النص المقدس , فأي التفاسير اصح واصدق واوثق ( تفسير السلطة للنص المقدس ) أم تفسير الشعوب / المعارضة , النخبة المثقفة ) لنفس النص المقدس . علينا اولاً أن نعرف , أن الله سبحانه وتعالى غني عن مايسمى اصطلاحاً ب ( حقوق الله ) وإنما هي تسمية تاريخية ,وفي الحقيقة هي حقوق للإنسان نُسبت تشريفاً وتعظيماً لله , فالبداية اولاً تقديم حقوق الناس على حقوق رب الناس , فالحرية اولى من الصلاة , والعدل اولى من التوحيد , والفردية اولى من الجماعة , والإنسان اولى من الدين , وحقوق الناس لاتحتاج إلى نص ديني , بل إلى تنصيص في الواقع المعاش , يعرفه ادنى الناس . والحل إنزال الدين منزلته الخاصة بين العبد وربه، دون تفعيله في الحراك السياسي و الاجتماعي اليومي , لأن هذا (التفعيل ) سيرجعنا لنفس المربع الاول ( القوي والمتمكن ) .