وزارة الدفاع الأميركية أقامت صلاة الميت لبن لادن على متن حاملة الطائرات «كارل فينسون». الصلاة استمرت خمسين دقيقة، وحرص الأميركيون على «التزام أحكام الشريعة الإسلامية في صفة صلاة الجنازة». فغُسِلت جثة بن لادن، ثم وُضعت في كفن ابيض، وُضع بدوره في كيس مثقل، وأدى ضابط الصلاة التي تولى مترجم تعريبها، ثم وضعت الجثة على لوحة ألقيت منها في بحر العرب. مصادر البنتاغون قالت إنها التزمت أحكام الإسلام في الصلاة على جثمان بن لادن. لكنها لم تشر الى تفاصيل غسل الجثمان. هل تولى الغسل مسلم، واستخدم الكافور؟ يبدو انه تعذر غسل جثة بن لادن لتمزقها، أو لاحتراقها، او لعدم وجود الماء الكافي بحكم ان الغسل تم على متن طائرة، وربما أن بن لادن تُيُمِّمَ، على الطريقة الأميركية. البيان أشار الى تفاصيل الصلاة، وأشار الى ان ضابطاً «أدى الصلاة التي قام مترجم بتعريبها»، ولا ندري لماذا لم يتولَّ المترجم اقامة الصلاة طالما انه يجيد العربية، أم أن الضابط هو المسلم، والمترجم غير ذلك، وإذا كان الأمر على هذا النحو، كيف سُمِح للمترجم بحضور الصلاة، وكم عدد من اقاموا الصلاة على جثة القتيل؟ اصرف النظر عن هذا الجزء من «فيلم» قتل بن لادن. تجاوز محاولة واشنطن ارضاء البسطاء من المسلمين، بالحديث عن الغسل والصلاة. تجاهل حال التكاذب بين الاميركيين والباكستانيين. توقف عند مشهد الدفن. زعيم «القاعدة» عاش في الكهوف، ابتدع فكراً جهادياً غريباً، أحلَّ قتل الأطفال والنساء والأبرياء، مارس الإرهاب على مدى عقود... غرر بشباب صغار، وألقى بهم الى مصير مجهول. واستطاع تجنيد عشرات الكتّاب والمتخصصين، وخلق حالة ثقافية اسمها فكر «القاعدة». وأخيراً أُلقيَت جثته في بحر العرب، وتبخّر. أليست هذه النهاية اكثر تحريضاً على معاودة صنع شخصية بن لادن؟ ألا تدعو هذه النهاية الى الشك في أنه قُتِل وأن المقصود هو تحويله الى امام غائب؟ بعض السياسيين اعتبر قتل بن لادن نقطة تحول في ظاهرة الإرهاب، ولكن لا أحد يستطيع ان يجزم بأنها نقطة تحول إيجابية. بعض الإعلام ساهم على مدى سنوات في وضع بن لادن في صورة بطل، لكن النهاية الخيالية التي صنعتها الحكومة الاميركية لزعيم «القاعدة» صنعت منه اسطورة ستفضي الى استمرار فكره الذي شوّه الإسلام، وجعل الجهاد مناقضاً للمروءة.