قد يتبادر إلى ذهن الكثير من الشباب الذين كانوا أطفالاً وقت توقد المواجهات في أفغانستان ضد الوجود الروسي من قبل متطوعين بعد عام 1975م ثم حقق الأمريكيون الانتصار عند تدخلهم عام 2001م.. قد يتبادر إلى ذهن هذه الفئة من الشباب الذين نفترض أنهم الآن في رجولة سن الأربعين بأن أسامة بن لادن تعلم التطرف الديني هناك في أفغانستان.. هذا غير صحيح.. يجب أن نلتفت إلى حقيقة أخرى ذات أهمية تداخل مع أوضاع أفغانستان آنذاك فيما يخص تقارب المفاهيم الدينية وهي أن جهيمان قد احتل الحرم المكي في محرم 1400ه الموافق نوفمبر 1979م بما يعني أن أفكاره ومرئياته كانت متزامنة مع ما حدث في أفغانستان من مهمات مواجهة «جهادية».. لا اعتراض على مقاومة التواجد الروسي في دولة إسلامية لكن الاعتراض على مهمة تصدير الانغلاق الديني من مجتمعات عربية، فالثلاثة الذين قاموا بدور قيادي هم: أسامة بن لادن من المملكة، وعبدالله عزام من فلسطين، والظواهري من مصر، وتكفي الإشارة إلى بعض التجاوزات العقلية في الممارسة القيادية لنعرف أن ما كان يحدث واستمر فيما بعد هو ممارسة تغرير غير معقولة. فمثلاً العزام كان يؤكد للشباب المتطوعين أن القتيل المسلم تتصاعد منه أدخنة عطور نحو السماء وأنه حين يُدفن قتيل آخر يجدونه قبل امتداد التراب إلى رأسه ينظر إليهم مبتسماً.. بل ذهل القياديون بعد استقبالهم لشباب عربي متطوعين حين وجدوهم في اليوم التالي قد نصبوا خيامهم على مرتفع مواجهة للدبابات الروسية.. مما يعني أنه بمقدور دبابة واحدة أن تصفي تواجدهم الواضح أمامها.. سألوهم لماذا فعلتم ذلك؟.. قالوا: وكيف يمكن أن نستشهد ما لم نفعل ذلك.. إن ما كان يطرح قبل ثلاثين عاماً من أفكار ومعتقدات هو السائد الآن.. أليست عمليات القتل من قبل القاعدة تتم بواسطة مهمة انتحارية تنطلق من جسد المتطوع متفجرات فيموت قبل أن يأخذ من عشرين أو ثلاثين من المسلمين؟.. ألم يتكرر ذلك في بلادنا؟.. إن التعصب.. ليس بالجديد.. وتخطئة مفهوم الجهاد ليست بالجديدة أيضاً، فالملك عبدالعزيز - رحمه الله - وهو صاحب أولوية تأسيس لدولة مستقلة، وفي الوقت نفسه أقوى قيادي عربي واجه تناقضات عديدة في تكوين مجتمعه لكنه روض كل تلك التناقضات بجزالة وعي وحزم إرادة.. الملك فيصل أيضاً - رحمه الله - واجه التطرف بحزم وفتح مدارس تعليم البنات وجعل من التلفزيون المحلي بتنوع مواده وتوفر برامجه الفنية مقنعاً لكل المشاهدين، بل كانت هناك صالات عرض سينمائية في جميع أندية الدرجة الأولى في الرياض.. وأمامنا حالياً شواهد عديدة لتأسيسات حضارية وعلمية أوجدها الملك عبدالله وتعطي المملكة أهميات اقتصادية وعلمية ومكانة دولية مرموقة.. ونعود إلى جهيمان وأتباعه فنجد أنهم قد لعبوا أدواراً مؤثرة خصوصاً بين البسطاء من محدودي التعليم ليتم وجود تأهيل مبكر يؤثر على عينات من متخصصي التعليم الديني، وكانت مبررات جهيمان لما فعله بالحرم المكي أنه أمام مهمة إبراز حقيقة دينية مهمة، ويعني بها أن رفيقه وصهره اسمه محمد بن عبدالله، وأن الناس في بداية مئة سنة هجرية جديدة، وكما يقول: «إن البعد عن الصراط المستقيم ظاهر فهو يلوذ ببيت الله الحرام كي يعلن صهره وجوده كمهدي منتظر».. هذا التخريف لم ينقطع، لكن نشكر الله.. نعم نشكر الله كثيراً أن أجهزتنا الأمنية تفوقت في كفاءتها على جميع أجهزة الأمن الدولية فهزمت تعدد عداوات القاعدة ووفرت للمواطنين أمن حياتهم..