أحمد بن عبد الرحمن الصويان - نقلا عن المصريون خطاب بعض الزعماء العرب في حرصهم على الإصلاح لتهدئة المتظاهرين والجماهير الغاضبة، دليل على اعترافهم الضمني بأن الفساد بلغ حداً غير مقبول على الإطلاق. لكن لماذا لا تنجح دعوتهم للإصلاح؟! هناك مجموعة من الأسباب الرئيسة التي تفسر فشل تلك الدعوات، منها: أولاً: أنها في كثير من الأحيان دعوات غير جادة، ولا توجد إرادة حقيقية لذلك، وإنما هي فقاعات إعلامية الهدف منها امتصاص غضب الشعب. ثانياً: أنَّ الفساد تجذر في المجتمع عبر السنين، وامتدت فروعه، وتطاولت أغصانه، وتحول من ممارسات فردية إلى مؤسسات عريقة ومنظمة، ولا يمكن مقاومته إلا بقرارات شاملة تستأصله من أعماق جذوره، أما القرارات الجزئية أو الترقيعات المؤقتة، فلن تغير شيئاً كثيراً من الواقع، وغاية ما يمكن أن تحدثه لا يتجاوز إصلاحات شكلية أو محدودة، ثم يعود الأمر إلى سابق عهده. ثالثاً: أن الفساد المستشري أوجد بيئة خصبة لتكاثر عدد من الفاسدين المنتفعين من بقاء الأوضاع على حالها. ومن استمرأ الفساد لن يكون مصدراً للإصلاح، ولذلك ترى هؤلاء الفسدة المفسدين يستميتون في مناصرة بعضهم، والتستر والمنافحة عن تلك الأوضاع، حفاظاً على مكتسباتهم الشخصية، ولا يهمهم بعد ذلك أن يغرق الشعب في مستنقعات الفقر والتخلف أو يهلك في أتون الظلم والاستعباد! وحراس الفساد وأنصاره يصدق فيهم قول الله – تعالى -: (وإخوانهم يمدونهم في الغي ثم لا يقصرون) (الأعراف: 202). رابعاً: منظومة الفساد تقوم على خمسة أركان رئيسة: 1. البيئة التنظيمية والتشريعية الضعيفة التي كثيراً ما تهيء الفرصة للتحايل والتلاعب والرشوة. 2. غياب أو ضعف المؤسسات الرقابية المستقلة التي تستطيع أن تقدم تقاريرها بمنأى عن التدخلات أو الضغوط أياً كان مصدرها. 3. تولية الفاسدين الذين مرجت عهودهم وخفَّت أماناتهم، وكثير من الفساد المستشري في المجتمعات إنما نتج عن سوء استخدام السلطة، بل استغلالها لتحقيق مصالح شخصية. 4. غياب أو ضعف الإجراءات الجزائية التي يعاقب بها الفاسدون. 5. إنعدام الشفافية المالية والإدارية، تلك الشفافية التي تجعل من حق الشعب أن يطلع على جميع الإجراءات الإدارية والحركات المالية بوضوح كامل. ولا شك أن أي مشروع إصلاحي يستثني أحد هذه الأركان، فإن مصيره إلى الفشل. خامساً: محاربة الفاسدين تقتصر في كثير من الأحيان على بعض الأيادي الصغيرة المستضعفة، أما الأيادي العريضة المتطاولة الملوثة حقاً بالفساد فهي بعيدة تمام البعد عن ذلك، وفي مأمن من المراقبة أو المساءلة، وهذا مصداق قول النبي : (إنما أهلك من كان قبلكم: أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد)، رواه البخاري ومسلم. سادساً: في ظل تردي القيم وإنحراف الذمم تحول الفساد في واقعنا العربي إلى صناعة يتقنها بعض المنحرفين الذين يجيدون فنون التلبيس والمراوغة وتقليب الأمور (لقد ابتغوا الفتنة وقلبوا لك الأمور) (التوبة: 48)، (وإن يقولوا تسمع لقولهم) (المنافقون: 4). لكنهم وإن تفننوا في التلبيس والتدثر بلباس النزاهة، فإن فلتات الأقوال والأعمال تفضحهم وتكشف مخازيهم، كما قال الله – تعالى -: (ولتعرفنهم في لحن القول) (محمد: 30)؛ ولهذا فإن الاحتساب عليهم يتطلب جرأة ويقظة، وتكاتف جهود جميع المتخصصين لبيان الحقيقة بالدليل الواضح والبرهان الصادق. سابعاً: ضعف المؤسسات الأهلية المستقلة ومؤسسات المجتمع المدني التي تتبنى الاحتساب وتعمل على مواجهة الفساد، امتثالاً لقول المولى – جل وعلا -: (فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض) (هود: 116). إن الحملة على الفساد ليست حملة وقتية عابرة، أو ردة فعل تأتي وتروح، وليست شعاراً سياسياً يرفع لاسترضاء الشعوب؛ وإنما هي أمانة تستنقذ الحاكم والمحكوم، وتحفظ العباد والبلاد، قال الله – عز وجل -: (تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فساداً) (القصص: 83). رئيس تحرير مجلة البيان رئيس رابطة الصحافة الإسلامية