عندما تم الإعلان عن الانتخابات البلدية الأولى في عام 2005م، لم أتردد في أن أكون أول المسجلين بل كنت حريصا على أن أكون أول المسجلين وذلك لعدة أسباب أبرزها الأهمية التاريخة لأول انتخابات وصدور أول بطاقة انتخابية في حياتي! والثاني الرغبة الشديدة في المشاركة في التصويت للشخص المناسب في هذه الانتخابات لكي يعمل على ممارسة عمله الرقابي بشكل عال، لكن هل خيب المرشحون ظني؟ لست أدري هل المرشحون هم من خيبوا ظنوننا أم إن الصلاحيات الممنوحة لهذه المجالس هي من خيبت ظن الناخب السعودي العازف عن التسجيل اليوم في المراكز الانتخابية! الانتخابات البلدية المقبلة في المملكة العربية السعودية ليست بذات الوهج والحماس الذي صاحبها أول مرة فلماذا؟ لعل الجميع يتفق معي أن المجالس البلدية بصيغتها القديمة لم تلب من تطلعات الناخب سوى الصوت الذي أشعره بالمشاركة في محاولة صنع القرار وليس صنع القرار لأن صلاحيات المجالس محدودة ولا أدل من ذلك عزوف أغلب مرشحي الدورة السابقة عن الترشح في أكثر المدن كما ورد في الصحف، والذين أعادوا السبب إلى إصابتهم بخيبة أمل كبيرة في الدورة السابقة ففي صحيفة الحياة خبر نصه (علمت «الحياة» من مصادر مطلعة أن أعضاء من المجلس البلدي لمدينة الرياض المنتخبين لن يعيدوا ترشيح أنفسهم للانتخاب مرة أخرى، للعمل في المجال البلدي في الانتخابات الحالية)، فإذا كانت العاصمة والمجلس البلدي فيها يشعر بهذا الشعور فما هو الحال في القرى والمدن الصغيرة؟ الحال ليس بعيدا عن الرياض ففي المخواة وبحسب ما أوردته صحيفة المدينة، أبدى عدد من أعضاء المجالس البلدية في منطقة الباحة عدم رغبتهم في الترشح في الدورة الجديدة من الانتخابات المقبلة، مرجعين ذلك إلى الإحباط الذي أصابهم نتيجة للتجربة السابقة التي تخللها الكثير من العوائق التي شكلت عقبة أمامهم في سبيل تلبية طموحات الناخبين. هذه الحالة من الإحباط لم تقتصر على المرشحين فحسب بل طالت الكثير من الناخبين الذين لم يبدوا أي حماس للانتخابات الحالية لا سيما الشباب الذين يطالبون بتفعيل حقيقي لهذه المجالس يعطيها حق الرقابة والمساءلة، ومن الضروري الحديث عن أن الانتخابات الحالية لم تعط أي إشارة مفادها الاتجاه بشكل أكبر للمشاركة في صنع القرار، ولعل التجربة السابقة أكسبت الناخب الكثير من الوعي حيال حقوقه ومكتسباته، بالإضافة إلى انتخاب نصف أعضاء المجلس البلدي وتعيين النصف الآخر! وهو أمر يقلل من الممارسة الديموقراطية ويقلل من فاعلية الانتخابات لا سيما أنها تتعلق بقضايا خدمية. أما القضية الأقل أهمية في نظري فهي مشاركة المرأة السعودية في الانتخابات، وللمرأة بلا شك حق الانتخاب لكن ليس هو الأهم في العملية الانتخابية لأني أعتقد أن جعل قضية مشاركة المرأة في الانتخابات المقبلة هو المطلب الأهم ليس مناسبا لأننا بحاجة إلى تفعيل هذه المجالس ومن ثم المطالبة بدور المرأة في العملية الانتخابية، فصوت المرأة سوف يحدث فارقا كبيرا لدى المرشحين لكن ما قيمة هذا الصوت مع أصوات كل الرجال في مجالس ليس لديها الكثير من الصلاحيات؟ في السعودية هذه هي المرة الثانية التي يخوض فيها المواطنون الانتخابات ولم تفت إلا دورة واحدة وبالنظر إلى دول أخرى نجد أن المرأة عاشت عقودا من الزمن ولم تحظ بالتصويت رغم فاعلية تلك المجالس والانتخابات، وأنا بذلك لا أقلل من أهمية انتخاب المرأة لأني لست أرى فيه أي مانع لكني لا أتمنى أن يطغى على أولويات الانتخابات لدينا وهي تفعيل هذه المجالس وزيادة صلاحياتها وانتخاب كامل أعضائها. الانتخاب بحد ذاته هو مكسب يجب عدم التراجع عنه وذلك بالفصل التام مابين العملية الانتخابية الديموقراطية وما بين الصلاحيات الإدارية التي يطالب بها الناخب ولكوننا في المملكة نمارس الانتخابات للمرة الثانية، فإن الحل في نظري هو المشاركة ومن ثم البكاء على جدواها لأن استشعار أهمية الاقتراع هو نوع من الوعي السياسي والمشاركة فيه يكسب المواطن خبرة في الحياة الانتخابية. الأمير الدكتور منصور بن متعب بن عبدالعزيز من الشخصيات التي أسمع كثيرا عنها أنها متواضعة ومتفهمة ومنفتحة وتسعى بشكل جاد إلى التطوير وتفعيل هذه المجالس ولعل التسريبات التي نسمعها عن اللائحة الجديدة تشمل عدم رئاسة أمين المنطقة للمجالس وتقليل عدد المعينين وهي بوادر أتمنى أن تكون أكثر ديناميكية في آلية عمل هذه المجالس.