استبشرنا كثيرًا إلى درجة الاحتفاء بإنشاء «الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد»، لأنها سترسخ ثقافة المكافحة التي تحتاج إلى اعتراف بأن هناك فسادًا، ثم العمل على مكافحة الفساد؛ دون الاقتصار على «إذا سرق الضعيف أقاموا عليه الحد». حين كانت هناك حالة إنكار لانتشار المخدرات في البلد، بقيت المشكلة تنمو وتتوسع حتى بدأت آثارها القاتلة تقض مضاجع ذوي الرأي، فأنشئت الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، وبدأت مراكز العلاج في الانتشار، وأخذت الصحافة تكتب، والدراسات تجرى، والناس يتحدثون، حتى باتت ثقافة المجتمع تتجه إلى تكوين خطة هجوم، وخطوط دفاع. كذلك الحال في الفساد الذي كانت بعض الصحف ترفض الحديث عن الفساد والمفسدين والفاسدين، وترد مقالات، وتمنع نشر دراسات نظرية فقط، ولا تنزل إلى أرض الواقع التي يسيطر على كثير من جوانبها الخوف من الحديث عن الفساد إجمالاً. لكن عبارة رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في أول ظهور له: «لن أتحدّث عن الفساد؛ لأننا في عهد الإصلاح».. جاءت مخيبة للآمال، ومتّسقة مع الخط الفكري لبعض الصحف، «وكأنك يا أبو زيد ما غزيت»، ثم ألقى معاليه محاضرة تاريخية عن تطور أعمال المشاريع في المملكة منذ الطفرة الأولى، وأوضح جوانب قصور توجد في كل بلد، وتشاهد في كل قطاع، وكأنها إشارة من طرف خفي إلى مفاصل الفساد!!. عهد الإصلاح يقتضي الحديث بقوة ووضوح عن الفساد، وسبل مكافحته، وحدود هذه المكافحة، إن كان يحق للاستبشار الذي أخذ بمجامع نفوسنا أن يجد صداه في هذه الهيئة، وإلاّ فهي ليست أكثر من كيان بيروقراطي جديد يضاف إلى ما هو قائم اليوم.