كنت أتساءل منذ سنوات لو تسلط حاكم مستبد مثل حكامنا على دولة اوروبية ديمقراطية فماذا يفعلون؟ ولم أعرف الجواب حتى رأيت الثورة التونسية واختها المصرية، فاتاني الجواب، إن الشعب الحر يجب أن يصل إلى درجة من الثقافة والوعي يدرك فيها حقوقه ويكسر حاجز الخوف ويصدع فيها بالحق ويعري فيها الفساد فلا يستطيع بعدها أحد أن يستعبده أو أن يسلبه حريته. واليوم الشعوب العربية حققت نصاب الثورة المطلوب، وانطلق الشعب في سورية يريد حريته كاملة، والسلطة تريد البلد مزرعة لآل أسد. رغبتان لا تلتقيان ولا بد من منتصر، كفة الشعب لا شك هي الراجحة ولكن هناك ثمناً يجب أن يدفعه، كان يمكن للنظام أن يعيد للشعب بعضا من حقوقه يعلله بها حتى حين ويؤخر بها نهايته المحتومة قليلا، حيث سيطالب الشعب بعدها بالمزيد، لان من ذاق طعم الحرية هان عليه ثمنها - ومن يخطب الحسناء لا يغله المهر- ولكن النظام بتكوينه المخابراتي أصرعلى أنه يريد المزرعة كاملة لانه ورثها دون تعب ولم يدفع لها ثمناً، وسيكون حتفه في خياره الارعن هذا. في خطاب الرئيس في (سيرك الشعب) قال للدمى التي جمعها لتصفق له مستهزئاً ومستبقاً منتقديه المحتملين، الذين قد يعتبروا أن ما جاء في خطابه من الاصلاحات المتوقعة ليس كافياً: (لا يوجد لدينا ما يكفي لكي ندمر وطنننا) وجملته هذه معناها على أرض الواقع وبالعربي الفصيح: (لا يوجد عند سلطتتا العائلية الحاكمة الاصلاحات الكافية التي يطالب بها الشعب لان هذه الاصلاحات ستدمر حكمنا). وقال: (اذا فُرضت علينا المعارك اليوم فاهلا وسهلا) وكلامه على أرض الواقع وبالعربي الفصيح: إذا طالب الشعب بحقوقه فهذا إعلان حرب علينا ونحن نرحب بمحاربة الشعب إذا طالب بحريته) وقال: (من لم يساهم في درء الفتنة وهو يستطيع فهو جزء منها) ومعنى الكلام على أرض الواقع وبالعربي الفصيح أن أي فرد من الشعب يقف على الحياد هو جزء من الثورة وسيناله عقاب الاسرة الحالكمة ولو كان ساكناً في غرفته مدثرا في فراشه ينام تحت لحافه. وقال: (هم يريدون منا أن نقدم لهم صك استسلام مجاناً عبر حرب افتراضية)، ومعنى الكلام على أرض الواقع وبالعربي الفصيح أن مطالب الشعب المشروعة يفهمها النظام إعلان حرب عليه، وهي حرب افتراضية لانه سيمنع الشعب من مجرد وضع رجله في الشارع للتظاهر بالقتل والضرب والاعتقال والترويع،- رغم ادعائه كاذباً بان التظاهر حق مشروع وأن المتظاهرين لديهم مطالب مشروعة، فهو يمنع التظاهر عملياً ويكذب ويلتف على مطالب المتظاهرين ليجعلها أجندات أجنبية ومندسين وعصابات مسلحة مما لم يعد أحد يصدقه فيه، سيقامر النظام حتى القرش الاخير مما سرقه من أموال الشعب. واليوم الثورة في سورية تضع رجلها في الطريق الصحيح، إنها تكسر حاجز الخوف، وتمرغ هيبة السلطة المستبدة بتمزيق صور الرئيس وأبيه، وتكسير أصنامهم وتحريق شعاراتهم، وتفضح لصوصهم، وتستخدم وسائل العصروتحول كل مواطن إلى مراسل إعلامي، ينتقد، ويصور، ويكتب، ويجري مداخلات على الفضائيات، بداً من تلاميذ المدرسة الابطال في درعا إلى عشرات المصورين في المسيرات إلى مئات المدونين على الشبكة العنكبوتية، إلى عشرات البيانات التضامنية من مفكرين وادباء وسياسيين كانوا يلوذون بالصمت منذ حين لسبب أو لآخر ولكنهم اليوم انطلقوا يؤيدون الثورة ويطالبون السلطة بالكف عن القتل والضرب والاعتقال، وأصبح لكل شهيد جنازة مهيبة ولكل معتقل مطالبون عنيدون، كل هذا رصيد للثورة لا رجعة فيه ومسامير في نعش السلطة تزداد يوماً بعد يوم. لم تعد السلطة قادرة على تجاهل الحدث، فهاهي تستعرض في قنواتها عشرات الشباب يشكون البطالة والفقر والفساد المستشري وصعوبة العيش، ولكنها لا تنس أمرين، أن تجعل المتكلمين يستثنون الرئيس من الشكوى وكأنه ليس رأس الفساد، وأن لا تتعرض الشكاوى إلى الحرية والكرامة بل تبقى في رغيف الخبز وفرصة العمل... ومع ذلك فان هذه المقابلات ستبقى محفورة في ذاكرة الشعب يبني عليها ثورته ويزيد فيها صرخته، حتى إذا جاء أجل السلطة فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون. وهنا تأتي مسؤولية المترددين والخائفين، بأن لا يحرموا أنفسهم شرف الثورة، وأن يدلي كل بدلوه، ويصدع بكلمة الحق بطريقته، ويرفع سقف مطالباته، حتى يكتمل المشهد وتهتز أركان بيت العنكبوت الذي تأوي إليه حكومة المخابرات التي نهبت البلاد وأشقت العباد، وشتت أبناء الوطن في كل واد. ويومئذ يفرح الثائرون بزوال الطغيان ومحي الفساد.