يوسف الكويليت- الرياض السعودية ماذا يفيد عالماً متطوراً يقود الحضارة الإنسانية في أوروبا وأمريكا أن يُقدِم متطرف على حرق القرآن الكريم، أو تنشر صحيفة صوراً «كاريكاتيرية» للإساءة لنبي الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم، أو يقدم يهودي على محاولات هدم المسجد الأقصى، أو قتل المصلين في رمضان داخل الحرم الإبراهيمي من خلال طبيب، أو بالمقابل ينتهج متطرفون إسلاميون تبادل حرق المساجد والحسينيات والكنائس وغيرها؟ وإذا كانت طالبان والقاعدة رمزين للتطرف والإرهاب، فإن حكومة دينية تتشكّل في إسرائيل قد تصل إلى عقلية إرهابيين عرقيين يرفعون شعارات «الشعب المختار» والوصي على تصنيف المجتمعات والتي جميعها في المعتقدات اليهودية «عبيد في خدمة أبناء الرب».. «نيرون» أحرق روما، و«هولاكو» أحرق بغداد وأباد التراث العربي الإسلامي برمي المكتبات في مياه دجلة، والآن تطلّ من بلدان عديدة روح عنصرية جديدة وفي قلب الديمقراطيات الكبرى، مرة من مخاوف الهجرات سواء أكان من أوروبا الشرقية أم بلدان مشرقية ومغربية، ومرة باسم الضائقة الاقتصادية، أو «فوبيا» تحوّل المجتمعات الأوروبية إلى الديانة الإسلامية.. الثورات العربية الجديدة، بدأ بعضها يبعث برسائل مخيفة، تطرف إسلامي يريد استلهام خط طالبان، وأخرى لا تدري عن مشروعها المطروح، وهاجس الأمن أصبح يقلق الجميع، لأن الآثار التي ستتركها مصر واليمن، وتونس وليبيا على الأمن العربي قد تضعنا في مواجهة تيارات تولد من رحم هذه الثورات، خاصة وأن رحلة القلق بين متغير وآخر لا يفصل في قضاياها الشارع حتى لو قاد اتجاهاً صادقاً ما لم تكن هناك حكومات تدير الدولة بمنطق ومشروعية مطالب مَن خرجوا للشوارع والميادين ساعين لأهداف جوهرية، لكن أن تنحرف الاتجاهات إلى فوضى أمنية، أو خطف الثورات لصالح متطرفين فالاتجاه سينقلب إلى مخاطر ربما تلغي كل التصورات عن طهارة تلك الثورات والساعين لها.. التطرف المتزامن عالمياً خطورته في أن الحدث يُنقل بلحظات وقوعه، ومن هنا جاءت تظاهرة الشارع الأفغاني على حرق المصاحف مدوية، لأن أخطر وقود للنار الكبيرة هو التحدي والتلاعب بالمقدسات، وقد لا يقاس الغرب الذي رفع سقف الحرية فوق المقدس مهما كان، وجعل إهانة إنسان تستدعي المحاكمة، ولا يتعرض من يسبّ ديناً إلى نفس الإدانة عملاً بحرية الرأي، لكن هذه الحرية عندما تصدم أنوف الآخرين يأتي رد الفعل أكثر قسوة.. ونأتي للديمقراطيات والحريات والبلدان التي تجاوزت في شرعياتها معظم دول العالم، أليس من الحرية والديمقراطية مراعاة حس الآخر، وعدم الاستهانة بأخلاقياته ومقدساته صوناً للأمن العالمي، وليس مراعاة لخواطر أصحاب دين أو نظام؟ الإسهام بتوسيع الصراعات الدينية وغيرها من ثوابت ما يقدس ويُحترم عند الشعوب لا يصل إلى فهم سياسي وقياس الحرية على أساسه، بل على مشاعر لديها مخزون من المتفجرات التي قد تضر الجميع دون استثناء..