محمد الصوياني - الرياض السعودي شعارات لها تأثير الألعاب النارية صاحبت قيام الثورة الإيرانية: تحرير القدس.. المستضعفون في الأرض.. قوى الاستكبار العالمي.. الشيطان الأكبر "أمريكا". قامت الثورة، فاتسعت أحداقنا بانتظار تشكل شعاراتها على أرض الواقع، لكنها قدمت مثالا لا يليق ب"الثورة النقية" بانتهاكها الأعراف الدولية والتعاليم السماوية باقتحام السفارة الأمريكية.. لم يكن في الأمر بطولة، فالرسل لا تقتل ولا تهدد، ومع ذلك ظل العرب والمسلمون يحسنون الظن وينتظرون صولة باتجاه الشيطان الأصغر "إسرائيل" لا الغدر بمن أعطي الأمان، لكنهم تلقوا صدمة أشد، عندما تم الكشف عن فضيحة صفقة أسلحة بين إسرائيل وإيران وأمريكا، أو ما يسمى ب"إيران جيت" أو "إيران كونترا". أعياهم الصبر وأدمنت إيران (إصدار الشعارات تلو الشعارات حتى يصدقها الناس)؛ ليجد العرب أنفسهم أمام شعار لا حيلة فيه: تحرير القدس يبدأ عبر الكويت وبغداد والمنامة وأنفاق مكة، مصحوباً بتهليل عشرات الفضائيات الفارسية باللغة العربية.. يتصدى لها العرب بمئات الفضائيات العبثية. قبل ذلك شعر العراق بالخطر فدشن مشروعاً نووياً فنافسته إيران، وفجأة يقوم الشيطان الأصغر "إسرائيل" بقصف وتدمير المفاعل العراقي فقط، ويظل برنامج إيران في تصاعد، فترتكب قيادة العراق كارثة اجتياح الكويت، بعد أن أغرتها إشارة من إحدى السفارات الغربية بأنها لن تتدخل، لتبتلع الطعم ويتم إنهاك العراق ومحاصرة شعبه أعواماً ليصبح جاهزاً للنحر، وتتخلص إيران من الوخز في جانبها الأيمن، لكن وخزاً أشد أصاب جانبها الآخر: "طالبان" تكتسح أفغانستان في خمس سنوات، فتأتي أحجية 11 سبتمبر، والتي ما زالت أهم حلقات أحداثها مفقودة والتحقيقات حولها غامضة، ليتم نحر أفغانستان قبل العراق، فتعترف إيران أنه لولاها لما تم ذلك، ويحين موعد نحر العراق فيحتاج بوش إلى مبرر، فيرفع شعار محور الشر:(كوريا الشمالية، وإيران، والعراق)؛ فتشعر كوريا بسخف التهمة وقائلها، وتتوعد بقصف أمريكا إن لم يكف عن سخافاته، فتلوذ أمريكا بالصمت، وتشعر كوريا بالنشوة فتقوم بتفجير نووي متحدية، فتهون أمريكا من شأنه وتغض الطرف عنه!، ويتعاظم مشروع إيران النووي، فتقصفها أمريكا بصواريخ الكلام، وتمطرها إسرائيل بقنابل الثرثرة، ويتم التركيز على المحور -الذبيحة (العراق) بأطنان من الأكاذيب الأمريكية البريطانية، ويتم الضحك على العالم بمقولة قدرة العراق على إنتاج قنبلة نووية خلال أيام، فيقسم العراق الأيمان المغلظة أن برنامجه النووي قد توفي بقصف إسرائيل، ويتم تفتيش العراق شبراً شبراً دون جدوى، فيقال للعالم إن صدام يخفي أسلحته النووية في غرفة نومه، فيتم تفتيش ملابسه في أكثر المشاهد رمزية على إذلال العرب وتدليل إيران. لكن بوش لا يشعر بالخجل.. ظل يبتكر الأكاذيب معلناً تهمة أسخف للعراق هي العلاقة بالقاعدة، ليتم نحره، ويُسلم مع أفغانستان على طبق من ذهب لإيران. وسط هذا المشهد المحبط للعرب تقوم ثورات في أجزاء من العالم العربي، فتشعر إيران بأن الوقت قد حان للاستثمار وتحريك خلاياها النائمة، لكنها تفاجأ بثورة من بين تلك الثورات ترفع سكينها الحادة لقطع أهم شرايين المشروع الفارسي، بل وإفساد ذلك العرس العجيب بين ملائكة فارس وشياطين الغرب، أما العرب فأفاقوا على خطر تلك المصادفات الغريبة؛ لتبدأ حكوماتهم اكتشاف شعوبها والالتحام بها، فقد أدركت أنها قوتها الحقيقية، فهل يعي العرب أن انحسار المشروع الفارسي لن يبدأ إلا بنهاية الثقة المطلقة بالغرب الذي خذلهم، والاكتفاء بالتعامل معه على أساس المصلحة البحتة، والانخراط في نهضة علمية اقتصادية صناعية حقيقية.. خالية من الشعارات الفارغة والفساد المدمر.