صالح محمد الجاسر - الاقتصادية السعودية محزنة جداً تلك الصور التي يظهر فيها أطفال اليابان وهم في صفوف للكشف عن مدى إصابتهم بالإشعاع، من يرى أولئك الصبية والهلع على وجوههم ووجوه أهاليهم يدرك حجم الخطر المحدق بالشعوب من جراء التوسع في استخدامات الطاقة النووية حتى لو كان ذلك لأغراض سلمية. اليابان واحدة من أكثر دول العالم تقدماً في مجال التقنية وفي الحرص على سلامة مواطنيها وفي القدرة على إدارة المشروعات الحيوية، بل وبإدراك مخاطر أي تسربات إشعاعية مهما كان حجمها بسيطا، فما مرت به مدينتا هيروشيما وناجازاكي من دمار شامل عام 1945 لا يزال حاضرا في ذهن كل ياباني. إلا أن اليابان بعد ما حدث من تسرب إشعاعي في مفاعلات فوكوشيما عقب الزلزال وموجات تسونامي، لم تكابر ولم تدع أن لديها من الإمكانات ما يتيح لها تفادي أية مخاطر قادمة، بل أعلنت عن الصعوبات التي تواجهها في تبريد المفاعلات، وقررت الاستغناء عن إحدى المحطات النووية. الوضع في منطقتنا العربية وما جاورها من دول وضع مختلف، فإدراك المخاطر يأتي في مرحلة متأخرة، والحرص على بناء مفاعل نووي، أو حتى الحصول على مواد مشعة، دون التفكير في تبعات هذا القرار، أو مخاطره، بل ودون اتخاذ أية احتياطات توفر الحماية للناس، أمر غير مستغرب. إحدى وثائق ويكيليكس التي نشرت في كانون الأول (ديسمبر) الماضي تقول إن العقيد معمر القذافي أثار ذعراً نووياً لمدة شهر عام 2009 عندما أجل عودة مواد نووية مشعة إلى روسيا في إطار تعهد القذافي بالتخلي عن برنامج أسلحة الدمار الشامل، حيث ترك تلك المواد دون حماية، والسبب في ذلك شعور القذافي بالإهانة لأسلوب معاملته أثناء زيارة لنيويورك لإلقاء كلمة أمام الأممالمتحدة بعد أن رفضت بلدية نيويورك طلبه نصب خيمة أمام مبنى الأممالمتحدة في نيويورك ومنع من زيارة موقع هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001. هذا التصرف الناتج عن عدم الشعور بالمسؤولية وإدراك خطورة الأمر لا يقتصر على القذافي، بل يمتد إلى أنظمة أخرى في المنطقة، فإلى الشرق من عالمنا العربي نجد أن محاولات إيران الحصول على سلاح نووي يخدم طموحاتها في المنطقة، لا يرتبط بأدنى درجات السلامة، وفي إسرائيل نجد مفاعلا نوويا مسكوتا عنه دولياً، رغم خطورته على المنطقة. مفاعل بوشهر الإيراني يقع في منطقة لا تبعد عن الساحل الغربي للخليج العربي بأكثر من 200 كيلو متر، وإيران ليس لديها القدرة على التعامل مع أي طارئ مهما كان بسيطا، ويشكل المفاعل حسب تقارير عدد من المنظمات الدولية خطراً بيئياً وصحياً على دول مجلس التعاون الخليجي، ولو حدث تسرب نووي من المفاعل فإن حركة المياه ستحمل الملوثات إلى الشواطئ العربية. الكارثة النووية اليابانية جعلت عديدا من دول العالم تعيد النظر في استخدامها للطاقة النووية، إلا أن منطقتنا العربية المنشغلة بمشكلاتها الداخلية، غائبة عن التعامل مع مخاطر هذا الأمر بما تستحقه من اهتمام. إن ما يحتاج إليه عالمنا العربي هو استثمار ما يجري من حديث عن مخاطر استخدامات الطاقة النووية للمطالبة بخلو المنطقة من هذا السلاح الخطر، والحديث عن هذا الأمر بوضوح ودون تردد، فالخطر النووي يحدق بعالمنا العربي من جهات عديدة. فهل نسمع صوتا عربياً موحداً يطالب بإخلاء المنطقة من السلاح النووي؟