لم يكن وزير الشؤون الإسلامية الشيخ صالح بن عبدالعزيز آل الشيخ يجهل ما يقول عندما أعلن في تصريحات خصّ بها «الحياة» قبل أسابيع أن وزارته التي تمثل الدولة في أعرض قطاع تابع لما يعرف بالمؤسسة الدينية، «تجاوزت وعكة 11 سبتمبر». وبدا أن وزارته التي يتبعها نحو 200 ألف عنصر ما بين داعية وإمام وخطيب ومؤذن في الداخل والخارج، ليست وحدها التي تجاوزت تبعات الأحداث، التي أُخضع بعدها الخطاب الإسلامي ومؤسساته وبرامجه لغربلة واسعة، استهدفت الإصلاح والتهذيب، إلا أن منتمين للتيار رأوا أن تلك الخطوات «استغلها مناوئون للشرعيين في تصفية حساباتهم القديمة والخلط بين الثوابت والمتغيرات في الشريعة والفقه والدين»، ما قام على إثره سجال ضخم بين ما يصنف ب «التيار الليبرالي» وغريمه الإسلامي، في قصة لا تزال بعض تفاصيلها حية. لكن تنفس الصعداء الذي بدأ التيار الإسلامي يعبّر عنه منذ فترة، خصوصاً بعد البيان الملكي في رمضان الماضي الذي قصر الفتوى على أعضاء هيئة كبار العلماء، يمكن أن يبلغ ذروته اليوم، خصوصاً بعد تطابق الأوامر الملكية مع تصريحات سابقة للنائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية، على تثمين دور المشايخ في هيئة كبار العلماء والخطباء وأئمة المساجد في رد كيد الأشرار، أو كما يسميه بعض الإسلاميين «هزيمة حنين والمصفقين لمبادئها سراً أو جهراً». ويتوقّع المراقبون أنه بقدر ما تكون الضغوط في السابق، يكون «التنفس» حالياً، بعد الأوامر الملكية الأخيرة، التي كادت في مضمونها لا تُبقي أملاً للإسلاميين (الرسميين) إلا مرت عليه بالإيجاب، تلميحاً أو تصريحاً، ابتداء من هيئة كبار العلماء، إلى آخر السلم في الجمعيات الدينية ذات الصبغة الأهلية من جمعيات تحفيظ قرآن ومكاتب دعوة، ناهيك عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي التي مثلّت محور السجال في معظم الأحيان بين مؤيديها والمؤازرين لها ولمبادئها. الحصة الأكبر في الأوامر الملكية سيقتطفها الإسلاميون، ليس مادياً ولكن معنوياً، في تقدير مراقبين يتوقعون أن ترفع الأوامر سقف الرضا الإسلامي عن نهج الدولة التي تفاخر دوماً بأنها قامت على الشريعة الإسلامية وتنص على أن دستورها الكتاب والسنة. ولكن في غمرة هذا الرضا، يرى المتابعون أن التيار الديني الرسمي وإن ربح المعركة التي تقف على الطرف الآخر منها، تيارات عدة، فإن جانباً من أقطاب إخوانية وصحوية، كانت صاحبة الصوت الأقوى في خوض معركة ما بعد سبتمبر، خسرت المعركة، بسبب اندفاعها وخذلان الفطنة السياسية لها، ففي تقدير خبراء في التيارات الإسلامية «كرر الإخوان السعوديون وبعض حلفائهم الصحويين وشرائح من العصرانيين والتنويريين، أخطاء بعضهم في حرب تحرير الكويت، عندما مثلوا صوتاً مضاداً لإرادة شعبهم وقيادتهم السياسة، في وقت ينتظر منهم أن يلعبوا دور المهدئ والمضحي في سبيل الاستقرار». هذه الأطراف كما يقول المراقبون لم تتعلم من التاريخ، وراهنت على الجو العام في الجمهوريات العربية، غير مراعية للخصوصية السعودية الدينية والاجتماعية، ف «طارت مع العجة»، على حين أثبتت المؤسسة الدينية في هيئة كبار العلماء والدعاة الرسميين ومشايخ التيار السلفي أنهم «عضد الشرعية السياسية في أوقات الأزمات». غير أن ما يميّز المؤسسة الرسمية السعودية كما وثّق ذلك باحثون مثل عبدالعزيز خضر وخالد المشوح في كتابيهما الصادرين أخيراً، أنها وإن تختلف مع تيارات إسلامية محلية في تعاطيها مع الأحداث والتفاعل معها، إلا أنها بقيت تقوم بدور «الأم» التي تحتضن جميع أبنائها البررة والأشقياء، فبعد حرب الخليج لم تتخلَّ تلك المؤسسة عن أبنائها الصحويين الذين شغبوا عليها وعلى الدولة، ولكن ظلت في موقف المدافع عنهم والموجّه، بدلاً من أن تعلن براءتها منهم. لكن ذلك لا يلغي في حسبان المتابعين أن «المؤسسة الدينية الرسمية» أثبتت صدق المثل الشعبي عليها «العين ما تعلا على الحاجب»، ففي كل حين ظن أبناؤها الصغار أنهم صاروا أفهم منها وأغير وأكثر «عصرنة»، تتفوق عليهم في أدائها الشعبي والسياسي وتعود أكثر شباباً وفطنة وجماهيرية. وربما هذا السر في أن تلك المؤسسة ذلك ظلت تحافظ على قدر من التأثير على جميع التيارات الإسلامية التي نشأت في السعودية، فلا الإخوان ولا الصحويون ولا السروريون ولا الجاميون ولا العصرانيون سيغدون شيئاً مذكوراً بلا «ملعقة» من بهارات «المؤسسة الدينية التقليدية».