الفساد مثل السرطان مثل غيرها من قوى التدمير التي لا ترى إلا آثارها من حولك ولا تسمع إلا بضحاياها بل ربما تقرأ الكثير من القصص الواقعية إلا أنك لا تكاد ترى فاسداً، كما أنك لا ترى السرطان الفاتك المدمر. بل يحسب أكثر المفسدين أنهم مصلحون «وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ»، لذلك هم كالظلام تراه لكنك لا ترى فيه شيئاً، مهما علت الأصوات ومهما ازدحمت الأشباح. تقرأ في السفير اللبنانية عن اختلاسات تقارب نصف بليون دولار لموظفين في “سعودي اوجيه” ضمن عمليات عقود من الباطن ذهبت فيها الأموال إلى وسطاء وهميين ومديرين تنفيذيين في الشركة، ومعلوم أن هذه الأموال هي أموال عامة في الأساس ولو أنها للشركة لما ترددت عن ملاحقتهم والأخذ على أيديهم، لكن المال العام في بعض مناطق العالم أشبه بالمال السايب يشجع على النيل منه والاعتداء عليه. وربما قرأت عن هذه الممارسات من قبل فلم تحرك من حولك ساكنا إلا من قام لينفي هذه الأخبار ويراها مزورة شأنها شأن الشهادات الجامعية المزورة التي أثارت ما أثارت من حديث ثم طواها الصمت المطبق الذي تئن منه القبور، وربما قرأت عن تحقيقات في كوارث جدة ثم لم تجد إلا المزيد من الكوارث ولا نتائج للتحقيقات إلا الصمت !! . الحديث عن الفساد يثير حفيظة الساعين فيه وهم كثيرون وأقوياء، كما أن الحديث عن الحرية يثير حفيظة أعدائها وهم كثيرون وأقوياء، أما الحديث عن السرطان فهو السائد السهل لأنه غالباً لا يثير حفيظة أحد، بل ربما استفاد منه كثيرون وسعى في انتشاره أقوياء.