كل ما حدث في ليبيا حتى الآن أمر متوقع، متوقع أن يعبر الشعب الليبي عن أكثر من أربعين عاماً من الاضطهاد تحت حكم لا يشبهه أي حكم في العالم، خليط من العبط السياسي والعسكرية غير المنظمة والديكتاتورية بعباءة شعبية، هذا ما استطاع قائد الثورة أن يرممه ليحكم ليبيا كل هذه العقود تحت أردية الخوف التي وزعها على الشعب الليبي وعلى السياسيين والإعلاميين ورجال الثورة الذين تساقط بعضهم ورغب بعضهم خلع العباءة بعد أن قال الشعب كلمته الأخيرة. النموذج الليبي للثورة التي حاول القذافي، العائل، وعائلته إخفاء ما يمكن إخفاؤه منها بمشاهد مسرحية هزلية وخطابات لم يجد أمامها الشعب العربي كله سوى السخرية وتحويلها إلى «كاريكترات « تساعدها في ذلك نبرة العقيد وهيئته وفشله ولغته، ومجموعة مشاهد كرتونية وأغنيات تحيله ومشروعه العالمي إلى أكبر «مسخرة» سياسية وثورية في التاريخ، يظهر مندوبون وممثلون لليبيا يعلنون تضامنهم مع ثورة الشعب وهو يرسل للقنوات العربية من ينفي ويؤكد أن ليبيا تعيش أماناً ورخاء ويطالبهم بالغناء والرقصهذه المشاهد خلال يومين لا أكثر من خطاب الرئيس أو القائد أو ملك ملوك أفريقيا، تعدت المئات وكلها تعبر عن موقف ساخر من الوضع الشخصي للأخ القائد. لم يتورع يوماً من الأيام عن أن يكون أكثر الحضور إثارة للضحك في كل المؤتمرات العربية والأفريقية والعالمية، ومع ذلك وجد من يقبّل يده ورجله ويديه كلما أنهى كلامه بالمجد الذي ردده وهو يضع ليبيا في خطاباته قائدة للعالم! ليبيا الطيبة التي دمرها في أقل من عشرة أيام علناً ودمرها خلال أكثر من أربعين عاما سراً، لم يتورع عن تزويد دول ومنظمات ومليشيات بالأسلحة، لم يتورع عن التفجير والقتل وإخفاء وجه الديكتاتور، ولن يتورع، حسب ما تابعناه في خطاباته الثلاثة، عن إحراق شعبه وبلده، وهذا قاله صراحة وبوضوح. يظهر مندوبون وممثلون لليبيا يعلنون تضامنهم مع ثورة الشعب وهو يرسل للقنوات العربية من ينفي ويؤكد أن ليبيا تعيش أماناً ورخاء ويطالبهم بالغناء والرقص. حتى وقت كتابة هذا المقال لا يزال النظام الليبي يدافع عن مشروعه ويصف كل ما حدث بأنه حدث من أشخاص خارجين عن القانون حسب رأي سيف الإسلام الذي يعترف بخطأ عدم السماح للإعلام بدخول ليبيا، وللأمانة سيف الإسلام أكثر اتزاناً من أبيه، مثلما ينفي أحداثا شاهدها العالم لكنه يعترف بأن الشعب الليبي مسلّح ويحمد الله! سيف الإسلام يسقط كل فشل النظام والعقيد على الأشخاص الذين هربوا من مسئولي النظام، يدافع، ويطلب من وسائل الإعلام التي وجه لها الدعوة للبحث عن كل ما قيل لنا في وسائل الإعلام العربية والعالمية التي نقلت ما يحدث، بمعنى أنه انتبه إلى أهمية توظيف الإعلام في المعركة التي يخوضها للبقاء في السلطة. هذا الترميم المتأخر يتزامن مع عرض كل ما حدث في وسط المشهد ونحن لا نزال نتذكر كلمات العقيد وكلمات سيف الإسلام وأصوات الرصاص الذي يتم نفيه والقتلى بالدم الأحمر المتخثر. كان على سيف الإسلام كأسلم الحلول أن يظهر ويعتذر عن كل ما حدث ويحقق مطالب الليبيين بدلا عن الدفاع المتأخر عن أهمية النظرية العالمية التي طبقتها الجماهيرية خلال حكم الأخ العقيد. إذا أراد الأب أو الابن معرفة الشعب الليبي وأخلاقه فعليه أن يراجع أكثر المشاهد نبلاً حين انحنى مواطن ليبي على مصاب عسكري وسط الجموع ليحمي عدوه من انتقام الموجوعين. [email protected]