ملتقى الميزانية.. الدروس المستفادة للمواطن والمسؤول !    رياض العالم وعالم الرياض    الرياض الجميلة الصديقة    سيتي سكيب.. ميلاد هوية عمرانية    ولي العهد : سنواصل العمل على تنويع وتوسيع القاعدة الاقتصادية وتعزيز متانة المركز المالي للمملكة    الرياض أعلى مناطق السعودية استهلاكا للكهرباء في القطاع السكني    حوادث الطائرات    حروب عالمية وأخرى أشد فتكاً    التصعيد الروسي - الغربي.. لعبة خطرة ونتائج غير محسوبة    بايدن: إسرائيل ولبنان وافقتا على اتفاق وقف النار    قمة مجلس التعاون ال45 بالكويت.. تأكيد لوحدة الصَّف والكلمة    الطائرة الإغاثية السعودية ال 24 تصل إلى لبنان    القوة الناعمة.. نجوم وأحداث !    صافرة الكوري «تخفي» الهلال    طائرة الأهلي تتغلب على الهلال    الاتفاق يختتم تحضيراته    الدفاع المدني: استمرار هطول الأمطار الرعدية على معظم مناطق المملكة حتى الأحد المقبل    كثفوا توعية المواطن بمميزاته وفرصه    الجموم بمكة المكرمة تسجّل أعلى كمية لهطول الأمطار ب (22.8) ملم    لا فاز الأهلي أنتشي..!    «إثراء» يُعيد وهج الحِرف اليدوية بمشاركات دولية    هؤلاء هم المرجفون    خادم الحرمين الشريفين يدعو إلى إقامة صلاة الاستسقاء الخميس المقبل    «التعليم»: 7 % من الطلاب حققوا أداء عالياً في الاختبارات الوطنية    القصف والجوع والشتاء.. ثلاثية الموت على غزة    اكتمل العقد    حملة على الباعة المخالفين بالدمام    دوري يلو: التعادل السلبي يطغى على لقاء نيوم والباطن    بدء التسجيل لحجز موقع في المتنزه البري بالمنطقة الشرقية    مناقشة معوقات مشروع الصرف الصحي وخطر الأودية في صبيا    «الخريجي» يشارك في المؤتمر العاشر لتحالف الحضارات في لشبونة    «السلمان» يستقبل قائد العمليات المشتركة بدولة الإمارات    استقبل مدير عام هيئة الهلال الأحمر نائب الرئيس التنفيذي لتجمع نجران الصحي    خادم الحرمين الشريفين يتلقى رسالة خطية من أمير دولة الكويت    جمعية «الأسر المنتجة» بجازان تختتم دورة «تصوير الأعراس والمناسبات»    أهمية الدور المناط بالمحافظين في نقل الصورة التي يشعر بها المواطن    وزير الشؤون الإسلامية: ميزانية المملكة تعكس حجم نجاحات الإصلاحات الإقتصادية التي نفذتها القيادة الرشيدة    المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة يناقش تحديات إعادة ترميم الأعضاء وتغطية الجروح    مركز صحي سهل تنومة يُقيم فعالية "الأسبوع الخليجي للسكري"    الخريف يبحث تعزيز التعاون المشترك في قطاعي الصناعة والتعدين مع تونس وطاجيكستان    "سلمان للإغاثة" يوقع مذكرة تفاهم مع مؤسسة الأمير محمد بن فهد للتنمية الإنسانية    نوف بنت عبدالرحمن: "طموحنا كجبل طويق".. وسنأخذ المعاقين للقمة    هيئة الموسيقى تنظّم أسبوع الرياض الموسيقي لأول مرة في السعودية    الجدعان ل"الرياض":40% من "التوائم الملتصقة" يشتركون في الجهاز الهضمي    حقوق المرأة في المملكة تؤكدها الشريعة الإسلامية ويحفظها النظام    تحدي NASA بجوائز 3 ملايين دولار    حرفية سعودية    استمرار انخفاض درجات الحرارة في 4 مناطق    الكرامة الوطنية.. استراتيجيات الرد على الإساءات    محمد بن راشد الخثلان ورسالته الأخيرة    حكايات تُروى لإرث يبقى    زاروا المسجد النبوي ووصلوا إلى مكة المكرمة.. ضيوف برنامج خادم الحرمين يشكرون القيادة    « هلال بين خليج وسد»    الأمير محمد بن سلمان يعزّي ولي عهد الكويت في وفاة الشيخ محمد عبدالعزيز الصباح    نوافذ للحياة    5 حقائق من الضروري أن يعرفها الجميع عن التدخين    «مانشينيل».. أخطر شجرة في العالم    أمير منطقة تبوك يستقبل القنصل الكوري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التغيير في العالم العربي والعقول التي لم تتغير

يشاهد العالم أجمع، وهو كاتم لأنفاسه، التغيير الذي يحدث في جمهورية مصر العربية، خشية أن يؤدي إلى عواقب قد لا تحمد عقباها، ليس فقط، لمصر ولكن، للمنطقة العربية بأسرها. خاصة كون منطقة العالم العربي تحتفظ داخل أحشائها بأضخم مخزون للطاقة في العالم أجمع، وهو الذي لا يسير فقط، عجلة تنميتها المستدامة، وإنما عجلة حركتها اليومية أيضاً. ولذلك فليس من المستغرب أن أعين وقلوب العالم ترصد ما يحدث من تغيرات في قلق واضح، وذلك لمحاولة فهم أسبابه وعليه توقع نتائجه، لإعادة حسابات مواقفهم السياسية والدبلوماسية تجاهها، لما يتماشى ومصالحها الاستراتيجية، بغض النظر، عن قربها أو بعدها عن نظام الحكم فيها. وكل منهم يسعى إما لإيقاف هذا التغيير الذي يجتاح المنطقة، عن طريق الاحتواء، وإما عن طريق التحجيم، وإما عن طريق محاولة تسييره من خلال قنوات طبيعية، تصل بالمنطقة لبر الأمان، وبكل يسر وبأسعار مقبولة له. هذا زيادة عن كون نظام الرئيس حسني مبارك، يمثل بالنسبة للغرب نظاما معتدلا، وشريكا استراتيجيا في عملية السلام في الشرق أوسطية وداعما لها.
وجميع القوى العالمية شبه مجمعة على أن ما يجري الآن في مصر هو تغيير طبيعي، وتلوم النظام المصري في عدم احتوائه والتعاطي معه بإيجابية منذ البداية. وهذا يتفق مع وصف الزميل الكاتب، الدكتور عبدالرحمن الحبيب للتغييرات الدراماتيكية في مصر حيث قال: "يمكن اعتبار الاحتجاجات في الشارع المصري هي ثورة من نوع غير مسبوق حيث إنها ثورة بلا تيار أو حركة سياسية أو حزب أو رمز أو قائد، بل يقودها الشارع الذي شكله الشباب عبر شبكة التواصل الإلكتروني. الشارع الشبابي هو رأس الثورة..."، إذاً لماذا بعض كاتباتنا وكتابنا الأفاضل، لم يرتقوا في وصفهم وتحليلهم لما يحدث في مصر على هذا الأساس؟ بدل أن يتخبطوا ويلصقوا تهم المؤامرة والمتآمرين على هذا الطرف أو ذاك.
إن أسباب ومسببات التغيير الذي بدأنا نشهده في العالم العربي، مع ولوجه العقد الثاني من القرن الواحد والعشرين، لم تكن وليدة اللحظة التي انفجرت فيها، مع كون اللحظة هي الشرارة التي أشعلت فتيلها. وهذه حقيقة التغييرات والتغيرات الجذرية التي تحدث في التاريخ، وتفصل ما قبلها عما بعدها. وعليه تسمى الأحداث الفاصلة بالتاريخية، لكونها تفصل حقبة تاريخية عما قبلها. فالأحداث التاريخية الفاصلة هي نتاج تراكم لتغيرات تفرز تداعيات، تحدث بدورها تغيرات جديدة تفرز بدورها كذلك تداعيات جديدة وهكذا، حتى تلد واقعا تاريخيا جديدا يختلف عما قبله، لا يشبهه ويحدث قطيعة معه. ولذلك يذكر الحكماء بأن "الأيام حبلى بكل ما هو جديد" إذاً فالمسألة، مسألة تشكل ومخاض وإعادة تشكل ومخاض آخر يليه، وهكذا تتشكل الصيرورة. ومخاضاتها، إما تتخلق بيسر وإما بعسر. ولا أحد من المخلوقات، يحسب حبل الأيام بوعي، ويستعد لمخاضاتها، غير الإنسان، حيث هو موضوع حركتها وهو، بنفس الوقت، واضع حراكها.
ومع كون الإنسان هو موضوع وواضع حركة التاريخ، إلا إنه ليس بالضرورة، دوماً يعي ما يحدثه أو ما يحدث حوله من تغيرات، مع كونه مخلوقا واعيا، فهو يعي ما يعي، ولا يعي كثيرا مما يجب أن يعي. ويحدد تقدم الإنسان وتحضره، نسبة وعيه بما يحدث حوله، والعكس صحيح. ولذلك حرصت بعض العلوم الإنسانية، مثل علم الاجتماع السياسي، وعلم استشراف المستقبل، وغيرها، إلى وضع مناهج استقراء علمية لتوقع ما سيحدث في المستقبل، من خلال ما يحدث الآن. ومن الطبيعي أن يحدث تدافع الأجيال، ولكن بعد أن منع، تدافع الأجيال، حل محله صراع الأجيال.
طبعاً ليس من حق أحد أن يطالب أحدا، بأن يؤيد أو لا يؤيد ما يحدث في مصر من حركة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير؛ ولكن ليس من حق أحد، تجييرها، لقوى خارجية أو قوى داخلية متآمرة. وذلك حفاظاً على جهود وتضحيات الملايين من مواطني مصر، الذين خرجوا مطالبين بالتغيير، والمئات من أرواح الشهداء التي أزهقت في سبيل ذلك. وإلا سيكون ذلك، سواء وعينا ما نقول أم لم نع، مسبة ما بعدها مسبة للشعب العربي المصري العريق، المشهود له بنضالاته وتضحياته المعروفة، من أجل قضاياه وقضايا أمته العربية. أنا أتفهم أن تتهم حكومة إسرائيل، قوى إسلامية (إخوانية – إيرانية)، لما يحدث في مصر من مطالبات للتغيير، وذلك لإقناع القوى الغربية بالتدخل، لصالح عدم التغيير في مصر، خشية أن تأتي التغييرات بحكومة تناصبها العداء. كما أني أتفهم كذلك، تصريحات مسؤولي الحكومة المصرية ومؤيديها، في اتهام المحتجين والمطالبين بالتغييرات الجذرية، لقوى راديكالية إسلامية داخلية، مرتبطة بقوى شيطانية خارجية تتربص بمصر وأهلها، وهذا الموقف منهم لا يحتاج إلا إلى شرح دوافعه وأسبابه.
ولكن أن تأتي كاتبات أو كتاب، ليسوا من مصر، ويتهمون حركة التغيير في مصر، بأنها محركة من الخارج، سواء عن طريق إيران وحماس، أو قناة الجزيرة، أو حتى أميركا؛ فهذا عجز في القدرة على الفهم والتحليل، ما بعده عجز. ويعتبر ليس فقط مجافاة للحقيقة، وإنما أيضاً مجافاة للحق كذلك. وأقصد بالحق هنا، حق الشعب المصري في قدرته على تسخير إمكانياته وطاقاته ومقدراته، لتغيير واقعه؛ وإنه لم يصل بعد للشعب الإمعة، حتى يحتاج من يحركه من خارج حدوده، لينفذ له أجنداته الخاصة، على حساب وطنه، ودماء وكرامة شبابه.
أي تغيير يحدث الآن في عصر العولمة، والقرية الكونية، سيؤثر على خارجه الإقليمي والدولي، إما سلباً وإما إيجاباً. وعليه سوف يتم الترحيب أو التنديد بالمتغيرات، وهذا فعلاً ما حدث في مصر. فعندما رحب مسؤولون إيرانيون بالتغييرات الجارية في مصر، فهذا نابع من العداوة المتبادلة، بين النظامين الإيراني والمصري، منذ خروج شاه إيران من طهران واستقباله بالقاهرة. ويجب أن نتوقع مثل هذا وأكثر، ولكن لا تصل المسألة، أن تحرك إيران حركة ونبض الشارع المصري. وهنالك من يتهم حركة الإخوان المسلمين، بأنها هي التي خلف الأحداث الجارية في مصر. وسواء كنا نتعاطف أو لا نتعاطف مع حركة الإخوان المسلمين في مصر، إلا أنها حركة شعبية مصرية عريقة تنتمي لنسيجه الاجتماعي ولها حضور مشهود فيه. إذاً فمن حق الحركة مثلها مثل كل الحركات المصرية، أن تتعاطف وتنظم لمسيرة الاحتجاجات في مصر. وهذا يعطي حركة الاحتجاجات في مصر الشرعية، حيث هي تمثل جميع أطياف الشعب المصري، العلماني والديني.
ولكن علة الإنسان عندما لا يعي أحداثا تدور حوله، لا يقول إنه لا يدري؛ وإنما يصر على أنه يدري، وخاصة بالنسبة لكاتب أو محلل. ولذلك فحركة الاحتجاجات في مصر وقبلها في تونس، هي ثورات شعبية، لم يعهد مثلها العالم العربي، وإنما كان يعهد الانقلابات العسكرية، التي يسميها تجاوزاً بالثورة. وكون الثورات الشعبية طارئة على العالم العربي، فليس من المستغرب أن يجير بعض الزميلات والزملاء الثورة الشعبية المصرية، لقوى داخلية مصرية، بعينها، أو قوى خارجية تتربص بمصر والعالم العربي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.