مهنا الحبيل - نقلا عن صحيفة الوطن ربما كان لكثير من مقاييس الراصد الإعلامي للحراك المجتمعي والسياسي والديني في العالم عموماً أن تعتبر استهداف الضدين مؤشراً على تميز الثالث المستهدف، ليس بالضرورة أن تصدق هذه القاعدة في كل معطى من قضايا الصراع والتنافس الفكري أو التدافع السياسي، لكنها تبدو دقيقة في الحملة المنتظمة التي تستهدف الشيخ سلمان العودة والتي تنطلق من شبكة إخبارية في أقصى اليمين الليبرالي يقوم عليها بعض الصحافيين ذوي التجربة السابقة في الإعلام الليبرالي السعودي، ومن الضلع الآخر فإن الحملة تنطلق في شبكات من تدوير البريد الإلكتروني وعدد من المواقع لجناح من التيار السلفي المحافظ تركز جهدهم بصورة كبيرة كما هم رفقاؤهم الليبراليون بإسقاط الشيخ العودة كل من دوافعه المختلفة عن الآخر. لن نصل لتقييم موضوعي ما لم نستعرض الواقع الفكري والمجتمعي للشأن السعودي بعد زلزلة متعددة منذ حرب الخليج الثانية التي استهدفت العراق وما اتبعها من إعصار ثقافي حقيقي بعد الحادي عشر من أيلول اكتسح أسوار العلاقات السعودية الداخلية في البناء المجتمعي، وكشف واقعاً لم تخلقه أبداً هذه الأحداث، إنما كشفته أمام ذاته وأمام الواقع وأظهرت شروخاً وتناقضات كانت حاضرة في عمق الضمير الوطني تجاه الخطاب الديني والعلاقات الوطنية بين مناطق المملكة وغموض المشتركات وركائز الضرورة الاستراتيجية لبقاء الأوطان واستقرارها فضلاً عن تنميتها في سلك إصلاحي على المستوى المجتمعي الوطني وعلى مستوى علاقة الرأي العام والنخبة الإصلاحية في مساراته المتعددة بالدولة. هذان المساران كانا يتقاطعان بصورة كبيرة مع حياة الشيخ العودة الفكرية الجديدة وعلاقتها بالشأن العام والخطاب الديني، أما القضية الرئيسة فهي اعتزال الشيخ سلمان الخطاب السياسي بعد محنته وبعد صعود كبير له خاصة في استدعاء أفق العدالة السياسية والبناء المجتمعي المركزي لإعادة تأسيس الدولة في أفق إسلامي جديد طرحه الشيخ العودة، وكان حينها يكاد يكون مصدر التوعية الأول في خطاب المنهجية الشمولية الإسلامية مقابل خطاب الوعظ والتوجيه الفقهي، وهي مرحلة ذات أبعاد كبيرة لا يمكن أن نحصيها الآن، وقد أعلن الشيخ أكثر من مرة أنه لا يلغي أفقه الفكري وخطابه في تلك المرحلة خاصة مع تقييم مرحلتها التاريخية لكنه يفصل فيها مع ما أعتقده شخصياً، وأشار له الشيخ من وجود ثغرات واختلال ميزان وفقدان أساسيات في العلاقات الوطنية وإعادة تقييم معنى الإنسان والمجتمع والشراكة وحقوق المناطق وتحديد المرجعية في لغة الفقه الدستوري الإسلامي كانت غائبة عن ذلك الخطاب لكل تلك المرحلة وهي في ذاتها مقدمات أساسية لحركة الوعي الإسلامي الجديد في الشأن العام. ومع اعتزال الشيخ العمل السياسي طغت هذه الفكرة مصحوبة بتحريض داخلي مبطن داخل أوساط التيار السلفي المحافظ من نزعة الشيخ الجديدة نحو الفقه الغائب الذي اعتبر جديداً وقد يكون ذلك في تاريخية الطرح في الحالة السعودية، ولكنه أصيل كما يدركه الباحثون في خطاب الوعي الشرعي القديم، وهنا برزت قضية استفزت جانباً من المحافظين لماذا..؟ لأنّ هذا الخطاب في الأصل لم يكن مغيباً فحسب بل كان مقصياً عن عمد وهو يضم في داخله مسارات متعددة من احتياجات الفرد والوطن الاجتماعي والعائلة والإنسان وعلاقة قاعدة المجتمع امرأة ورجل وطفل وذوي الاحتياج الخاص، وهو يحمل مسارات مخاطبة لركائز المواطن في الداخل والمسلم عموما كإنسان وهو في الأصل المدخل الذي قعده القرآن ثم انطلق إلى تفصيل واجبات الحياة الدنيا ومسارات الفوز بالآخرة، غير أنه مسار كان مغيباً في الخطاب الديني أو مقصى كما قلنا لكونه يترتب عليه أن يقدم الواعظ ما عليه من واجب تجاه حق القيم والخلق والحياة للفرد لاحترامه كإيمان رئيس يجعله جسراً بينه وبين المتلقي وليس من خلال وصاية العصا أو التصنيف أو التحريض أو استباحة حق المواطن الإنسان، هذا الحق المؤصل إسلامياً لكنه مرفوض لدى تكتل وعاظ الرفض للخطاب القيمي؛ إذ إنه يسقط الوصاية ويطلب نص العقل الديني الذي يَفهم الشرع كما نزل لا كما يريده الوعاظ المهيمنون بالسوط لا بالصوت الأخلاقي. وغداً نكمل بإذن الله..