تركي العسيري - الجزيرة السعودية لابدّ لي في البدء أن أشير إلى أنني من أشد المعجبين بالعلامة الشيخ (يوسف القرضاوي)، فهو عالم وفقيه ومحدث وأديب قدم للمكتبة والفكر الإسلامي عشرات الكتب المفيدة والتي تدل على سعة فكره وعلو منزلته، غير أن مايطلقه العلامة الشهير عبر الفضائيات والمنابر بين الفينة والأخرى؛ من آراء سياسية لاتنسجم -في رأيي- مع مكانته باعتباره عالما ينظر إليه المسلمون في شتى بقاع الأرض على أنه بقية العلماء الوسطيين الثقاة؛ فالسياسة لعبة دنيوية فيها الكثير ممايتنافى مع قداسة الدين وطهره، وحين يتحول الداعية أو الفقيه إلى «مُنَظِّر سياسي» يفقد الكثير من مكانته، فنحن لانحتاج إلى من يثير العوام والغوغائيين في الخروج إلى الشارع قدر حاجتنا إلى عالم شرعي حكيم يعالج مستجدات العصر ومشكلاته بعمق وروية فدرء المفسدة كما يقول الفقهاء مقدم على جلب المنفعة، ولعل الانتفاضة التونسية الأخيرة قد ألهمت فضيلته إلى دعوة التونسيين إلى الإجهاض على كل الأصنام بعد (هُبل)! وفي الدعوة مافيها من تدخل سافر في شؤون بلد شقيق، أنا أفهم تمامًا مهرجان الفرح الذي انتاب الحركات الإسلاموية بسقوط الرئيس «بن علي»، ولكن أين كانت تلك التيارات إبان حكم الرجل على امتداد (23)عامًا مضت، ولماذا فقط حين يسقط «الجمل تكثر السكاكين» كما يقول المثل الشعبي، والحال يسري على كتاب آخرين تباروا في إدانة تلك الحقبة من تاريخ تونس الحديث؛ الملفت أن تلك الانتفاضة الشعبية التي أطاحت بالرئيس «بن علي» لم يساهم فيها التيار الإسلامي التونسي رغم عداوته للنظام، وجاءوا أخيرا ليشاركوا في قطف الثمرة. ولعل فتوى العلامة القرضاوي أو رأيه يأتي امتدادا لمواقف سابقة، بدءا بتأييده لحركة (حماس) الإخوانية وانقلابها الدموي على السلطة الشرعية في قطاع «غزة»، ورأيه أو فتواه الخاصة بالرئيس (محمود عباس)، الشيخ القرضاوي عالم كبير دون شك، ولكنه منظر سياسي منحاز للحركات الإسلاموية وعلى رأسها (الإخوان المسلمون)؛ ويبدو لي أن جذور الشيخ الإخوانية قد ألهمته هذه المواقف السياسية غير المحايدة. إنني أعتقد أن تحول الداعية إلى منظر سياسي يطوح بآرائه التي تدعو إلى الفوضى والخروج على الحاكم أمر خطير ولايليق بعالم شرعي الخوض فيه؛ أريد من الشيخ «القرضاوي» أن يعطيني أنموذجا واحدا للدولة الإسلامية التي قادها الإسلاميون في العصر الحديث، وحققت رغبات الشعب في الحرية والعدالة ورغد العيش؛ كل النماذج لاتسر، بدءا بثورة (الترابي) في السودان والتي كانت نتيجتها مانراه من انفصال مؤكد في الجنوب رغم فتوى الشيخ ب»كفر» من يصوت للانفصال، ودولة (طالبان) التي يعرفها إبان زيارته لها للتوسط في قضية هدم تماثيل «باميان» الشهيرة، وتولي «حماس» حكم القطاع وماجرت إليه من الويلات ومن تدمير وخراب وجوع. خلاصة القول: أربأ بك ياشيخ يوسف وأنت العالم الذي نحبه ونثق فيه أن تتحول إلى محرض للشعوب على حكامها غير عابئ بخطورة ما تقول؛ فالمنطق يقول: حاكم ظالم خير من فوضى تؤدي إلى خراب الأوطان وتشظيها.. والله المستعان !