يدخل رجلٌ ملتحٍ برفقة زوجته التي لا يتركها تتبضع وحدها، خشية الاختلاط، إلى محل بيع الملابس الداخلية فيجد نفسه وسط محل ممتلئ بملابس نساء داخلية زاهية ملونة، ونساء بمختلف الأعمار، فتيات، سيدات، أمهات بصحبة أطفالهن، وباعة من الشباب «الحمر العطر». تختار زوجته - وقد غطّت نفسها من رأسها حتى أخمص قدميها، وخبأت أصابعها داخل قفازات سوداء - ثوباً شفافاً، ولأن صوتها عورة فإن زوجها هو من سيتحدث عنها، لن يفكر بالاقتراب من البائع قليلاً، بل سيفضل بأن يرفع بجسارة الثوب شديد العري والبهرجة الحمراء كمن يرفع علماً لفريقه، فترى النساء جميعن أي ثوب اختارته زوجته، ويصيح من على بعد: بكم هذا يا ولد؟ ويكون الولد الذي ليس ولداً، مشغولاً بعد القَِطع التي وضعتها فتاة أخرى بين يديه تسأله عن ثمنها، لا ينتبه أحد إلى أن محلاً مثل هذا المحل هو الوحيد الذي لم تقلق أصحاب فتاوى الاختلاط جسارته بل تمت حراسته عبر منابر المسجد والفتوى والنزاعات المحلية وتعطيل قرار الوزير الذي اتُهم بالعلمانية حين أصدر قرار تأنيث محال بيع الملابس الداخلية للنساء! ينظر الولد الى الرجل، ويقول: «ب220 ريالاً»، ثم يسأله مرة أخرى: «عندك مقاس أكبر»؟ وهكذا والقميص مرفوع بجسارة في يد حارس زوجته وأمام مرأى الفتيات اللاتي صرن يعتبرن المشهد سوريالياً لا يعني حقيقة ما هو عليه مطلقاً. تتقدم الشابة بحياء (من باب حسن الظن) إلا إذا كانت من أتباع المدرسة السوريالية في فهم الأمور وتقول: «لو سمحت أبغي مقاس أكبر». ينظر الولد الذي ليس بولد إلى ما بيدها ويجره، ويقلّبه أمامها ويضع يده في الكوب الأيمن ويقلبه ويقول: «هذا مقاس 24 بي تبغين سي، أو 26؟» ولأنه بائع مثل كل البائعين فإنه قد يتذاكى (من باب حسن الظن السوريالي) وينظر إلى منطقة الأكواب كي يساعدها في اختيار المقاس المناسب. في رواية أخرى تقول السيدة إنه يحاججها ويعاندها ويقول لها لا هذا مقاسك بالضبط. النساء الصامتات الخبيرات بالمقاس واللاتي لا يحتجن حارساً ولا مفاصلات يتقدمن من البائع ويضعن الملابس الحميمة والخاصة جداً والتي لا يراهنّ بها أحد، يتقدمن في صمت يشبه صمت المقابر المصرية القديمة المليئة باللعنات، ويضعنها فوق الطاولة أمام الولد الذي ليس بولد والذي رأى من ثيابهن ما لا يراه أحد غيره، فهن يسدلن على كل شيء منهن حجاباً أسود، لكن التاريخ جعلهن يعشن هذه اللحظة السوريالية، يضعن أكثر قطعهن حميمية بين يديه، يجرُّها إليها، يلمسها، يشمها أحياناً، يفحص سلامتها، يمررها تحت ضوء آلة البيع، يغلّفها ويضعها لهن في الصندوق. ترى كم عاقلاً قرأ هذا وشعر بالخجل أو ربما قال إنه مقال قليل أدب؟ نظرياً هو قليل أدب، لكنه سوريالي، قليل أدب أيضاً.