طريف عيد السليطي - المدينة السعودية يلجأ كثير من الكتاب وحتى المواطنين من غير المهتمين بالشؤون الثقافية والفكرية إلى مهاجمة المجتمع وكيل التهم له، ووصمه بالتخلف حيناً، والبداوة حيناً، والجهل الشديد المركب حيناً آخر . ومما قرأت بهذا الخصوص مقالة قصيرة للكاتب عابد خزندار عنوانها ( المجتمع هو المعوق الأكبر ) بتاريخ 23 يونيو، وتطرق فيها لقضية مضمونها أن المجتمع هو سبب كل تخلفنا وانغلاقنا وتزمتنا بينما دافع خزندار - دفاعاً شديداً - عن الجهاز التنفيذي والسلطوي . فكيف استدل خزندار على تخلف المجتمع ؟ كان ذلك عبر قضية المرأة، لأنه كما يقول « المجتمع هو المعوق الأكبر لعمل المرأة « كما أضاف في مقاله القصير : « المجتمع هو الذي يقف ضد منع المرأة من قيادة السيارة في المدن مع أنها تقودها في القرى» . وجاء في المقال بشواهد ماضوية أراد فيها أن يثبت حقيقة أن المجتمع قد عارض خطوات تقدمية من قبل وزارة التعليم ووزارة العمل، وأن هاتين الوزارتين أرادتا النهوض بالمرأة لكن المجتمع وقف لهما بالمرصاد ! والحقيقة أن هذا النقد غير بريء لعدة أسباب، إذ يفترض بالنقد أن يكون شاملاً لعدة جوانب، وأن لا يقتصر على جانب محدد وإلا فسيكون نقداً منحازاً وغير موضوعي . والذي كتبه عابد خزندار يصب في الإطار المنحاز وليس المحايد، أي أنه نقد للمجتمع فقط وليس نقداً للسلطات التي تشكل وتكون المجتمع نفسه، فضلاً عن كونه رأيا لا يأتي بالحلول ولكنه يشفي غليله بمجرد الاتهام والتنفيس عن الألم . كما أنه يتصور المجتمع على أنه قوة مطلقة المشيئة، وجوهر مستقل قائم بذاته لا يخضع لأية سلطات تؤثر عليه وتغير من مساره وتثنيه عن أهدافه أو غاياته . إنني دائماً ما أقرأ هجوماً على المجتمع، وحينما أبحث عن هذا المجتمع الذي أريد الانتقام منه بصحبة أعزائي الكتاب، فإنني لا أجده ولا أعثر عليه ! والحقيقة أن أي مجتمع إنساني لا بد وأن يعتريه القصور في أدائه الحضاري والمدني، وهذا أمر بديهي وطبيعي نظراً لتأصل طبيعة النقص في النفس البشرية، ومن ثم فلا غرابة في أن يخطئ المجتمع نفسه لأنه مجتمع بشر، وليس مجتمع ملائكة أو شياطين ! كما أن كل مجتمع يتكون من طبقات متنفذة، كالساسة والتجار ورجال الدين وأصحاب الوظائف وذوي الحرف . هذا يعني أن كلمة ( مجتمع ) هي كلمة معقدة ومركبة وربما تحتوي بداخلها تناقضات وتراكمات لا حل لها، ولا إجابة شافية عن تفاصيلها . هل المجتمع هو نفسه التاجر ؟ هل هو الشيخ والواعظ ؟ هل هو السياسي والحاكم ؟ هل هو المثقف والكاتب ؟ أم هو بائع الجرائد وحائك الملابس والجزار وصانع الأحذية ؟ إنه لمن البديهي حقاً أن يكون المجتمع هو هذه الطبقات مجتمعة، ومن ثم فهو يحتوي في أحشائه على تناقضات كثيرة وصراعات مستمرة، تتولد وتتشكل على هيئة أجنة كامنة في رحم هذا المجتمع، تنتظر الساعة التي تخرج فيها إلى الحياة وتفتح أعينها باتجاه ضوء الشمس . ولذا فإن المجتمع لم يعد تلك الكلمة الصلبة المتجانسة التي يمكن تصويب الاتهامات لها والتهرب بعدئذ من التفكير على من تقع المسؤولية ؟ وإنما هو، أي المجتمع، مجموعة التفاعلات والنشاطات الإنسانية المتولدة من عدة فئات وطبقات اجتماعية واقتصادية وعشائرية وفكرية . وهذا يفضي بي إلى القول بأن المجتمع ليس هو المعوق الأكبر أمام التنمية والتحرر، بل هو جزء من كل، وهو فاعل من جهة، ومنفعل من جهة أخرى، وهو قد يكون ضحية وجلاداً معاً، وإذا ما أردنا أن نكون صريحين وواضحين فعلينا أن نصف حالة مجتمعنا الكسيح : إنه مجتمع مشلول، لا خيار له، ولا مشيئة، ولا قدرة، كما أن البيئة التي نعيش بين ظهرانيها ليست ديمقراطية ولا حرة، وهذا يعفي المجتمع من تبعة أية مسؤولية، لأنه لم يختر وضعه الذي هو فيه، ولم يصنع قدره ولا حياته بالطريقة التي يراها تناسبه . فهل من المعقول أن نطلب من مجتمع قيدنا أطرافه أن يعيش بصورة طبيعية وإنسانية ؟ فلندع المجتمع يختار، ويقرر، وينمو، ويتمرحل، وحينها فلنعمل على معالجة أخطائه بالنقد والتصويب . أما أن نرى المجتمع طريح الفراش وعاجزا عن الحركة، ثم نحمله مسؤولية كل ما يصيبه، هنا تكون الغرابة مضاعفة.