لملك عبدالله رجل بطاقةِ وعقول وتجربة آلاف الرجال، في السياسة لم يكن وريث التطرف أو (الميكافيلية) بل جاء من خلال تسلسل عائلي وحّد وقاوم الفقر، وحصل على ثروة النفط التي كرست العلم والثقافة بعد الأمية، وتواصلت مدن الصحراء مع مدن البحر والجبل، وصارت أجيال تحتل مناصب ومنصات العلوم الإنسانية والعلمية، خرجت الفتاة من كهف العزلة الطويلة إلى التدريس والطب ومختلف الاختصاصات، اندمجنا مع العالم بالسفر والإنترنت والكتاب والفضائيات، وأصبحت جامعاتنا بدلاً من تدريس العلوم النظرية فقط تبني المعمل وتجلب العالم والباحث، ولم يعد رجل الأعمال تبهره أرقام البورصات ، والمكاسب الهائلة في عالم شبه خرافي في رقيه واتساع معرفته عندما صارت الأموال والاختصاصات وتبادل المصالح والكفاءات مرسى كبيراً في ميناء رجال الأعمال يتساوون مع غيرهم في كل شيء.. رجل كبير أطل على هذه المنجزات فأثراها بخطواته المتسارعة، حيث جاءت خمس سنوات طواها عهد الملك عبدالله، نقلتنا إلى نصف قرن، وهي حقيقة تعلن عن نفسها، ويراها كل من يملك الحواس الخمس السليمة، جامعات وجامعيون، بعوث للخارج ، معاهد وكليات، مدن صناعية جُهزت على أحدث المواصفات العالمية توزعت بين أكثر من مدينة وقرية، طرق ومستشفيات وموانئ ومطارات، مدارس وملاعب رياضية، وخلف هذه المسيرة بناء الإنسان ذكراً وأنثى، وفتح الآفاق لكل صاحب جدارة لا يعوقه جنسه أو لونه، أو أي فئة ينتمي لها، لأن الوطن هو مركز فعلنا وتفاعلنا.. اقتصاد جبار في دخوله وتوظيفه في مسارات التنمية طويلة الأجل، حرّ باتجاهاته ومصادر عمله، وسخاء في الإنفاق من قبل الدولة لخطف ساعات الزمن واستغلالها بأسرع ما تتيحه الفرص في البناء السريع وتعدد مصادر دخله حتى لا يقع ضحية المورد الواحد.. في المحافل الخليجية والعربية والدولية ظل الملك عبدالله علامة بارزة بصدقه ومجابهته للمواقف الحرجة، فكان سيّد الوسطية والعقل، والحوار اللامتناهي الحدود مع كل الملل وأصحاب الديانات والسياسة، والموروث الحضاري والإنساني.. هذا الرجل جسّد في شخصه وطنية فريدة التفت حولها كل التنوعات القبلية والمناطقية والمذهبية، جعل من المرأة عنصر ابتكار ومشاركاً طبيعياً في حقول العمل والمعرفة، واستطاع بحسه الخاص أن يوفق بين ثقل بلده الاقتصادي والروحي مع عوالم السياسة والعلاقات الدولية، وفي مشاهد كثيرة، كسَرت دول «بروتوكولاتها» في استقباله وتوديعه وضيافته، وهذا الفرز في الترحيب والمخاطبة الواعية، لم يأتِ عبثاً، لأن الملك عبدالله مدرك لما يقول ويفعل، وليست لديه ألوان متضاربة، وقد ظل مع الشرق كما الغرب، ومع البلدان الأكثر ثراءً مثل البلدان الأكثر فقراً لأن روحه الإنسانية الصافية مستودع للكرامة والوفاء والعطف، ولعل الخمس سنوات الماضية قدمت لنا هرماً هائلاً من الإنجازات التي قادها الملك عبدالله بكل اقتدار وصدق ووفاء مع الوعود..