أجّلت محكمة استئناف القاهرة الأسبوع الفائت محاكمة ما سمي بقضية عناصر التنظيم الدولي للإخوان إلى 14/ حزيران يونيو القادم وليس هناك شك لأي مراقب في المنطقة العربية عموماً والخليجية على الخصوص في دوافع هذه القضية التي تركّز على محاكمة فضيلة الشيخ عوض القرني الداعية الإسلامي المعروف واحد رموز الدعم التاريخية في منطقة الخليج العربي للقضية الفلسطينية , فأزمة الشيخ عوض مع الأمن المصري كانت متزامنة مع عدوان يناير 2009 على غزة وما صاحبه من الإسناد الرسمي المصري المنظم إعلاميا وسياسيا للأعمال الحربية الإسرائيلية ضد القطاع وقمع العمل الخيري الإنساني الذي حاول الوصول إلى غزّة ومنعته القاهرة , فضلاً عن ملف ضخم كان يُعبّر عنه بصراحة وزير الخارجية احمد أبو الغيط ورئيس المخابرات اللواء عمر سليمان ضد شعب غزة ومقاومتها , وكان الشيخ عوض مع حشد من النشطاء والإعلاميين والمثقفين العرب في مواجهة تلك الحرب الرسمية لنظام القاهرة لمساندتها للعدوان وليس لأجل أي سبب آخر , ولذلك كان هناك أمرٌ خاص في ملف الشيخ عوض يدخل في تصفيات الحسابات الإسرائيلية من جهة ومن جهة أخرى يأتي ضمن البرنامج الاستراتيجي لمشروع إسقاط غزة سأتحدث عنه في ختام المقال , لكن لا بد من التعريج على ملفين رئيسيين لهما علاقة بهذا الموقف الرسمي المصري مؤكدين دائما على استقلال الضمير المصير الوطني لشعب مصر عن هذا الموقف الذي يتحمله الحزب الحاكم . الملف الأول يتمحور في أن القاهرة زجّت باسم الشيخ عوض القرني في هذه القضية المرسومة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين لتحقيق هدفين فشلا كليهما في تقديري وان بقي الهدف الاستراتيجي الإسرائيلي , الأول هو أن تتجنب القاهرة استثارة الرأي العام العربي مجدداً خشية استدعاء الذاكرة القائمة حتى حينه في حرب الحصار على غزة والتي تقودها القاهرة بفاعلية أكبر , وبالتالي يعود ذلك الزخم لتكون قضية الشيخ عوض رديفاً لسلسلة الإدانات التي تُحاصر النظام في القاهرة والتي تعززت بعد الجدار الفولاذي الذي اصدر فيه الشيخ القرني بياناً قوياً لإدانته , وهذا المشروع القائم في قتل الغزاويين الذي تدفع به رام الله وتل أبيب القاهرة بكل قوة لتسريع انجازه وتصعيد الضغط على شعب غزة وحماس تدرك القاهرة الرسمية بأنه الفصل الأقذر من برنامجها المعادي للشعب الفلسطيني , ولذا أرادت أن تُصفي الحساب مع القرني باسم مستعار هو التنظيم الدولي , خاصةً بأنّ القاهرة كانت تُراهن على حدوث مواجهة أمنية بين المشايخ وبين السلطات في الرياض لحساسية ملف التنظيمات في دول الخليج العربي , وكانت تتأمل بان تُشكّل هذه التهمة والترويح الإعلامي الحاشد لها مدخلاً لاستدراج المؤسسة الأمنية والسياسية في المملكة للخضوع الشامل لفريق عمر سليمان بحجة هذا الفتح الذي وصل إليه رجل المخابرات العربية !! غير أن المفاجئة -وان كانت ليست غريبة لدينا- كانت اصطدام القاهرة بالفتور الشديد من المسئولين والإعلام السعودي تجاه ترويج هذا الملف , فضلاً عن ما أُثير مؤخراً بان القاهرة تلقت استغراب شديد من الرياض لم يوضّح حتى الآن من قيام الأولى بتسريب رسالة مشعل للملك عبد الله إلى الإعلام , وبرغم موقف السعودية الفاتر من حماس والغير مبرر , إلاّ أنّ التدخل المصري والتداخل المتعمد من قبلها في ملفات السعودية الأمنية والدبلوماسية يثير امتعاضاً داخل أروقة صناعة القرار السعودي وان لم يصعّد على السطح . النظام المصري يهاجم أهل السنة السعوديين!! الجانب الثاني المهم في هذا السياق هو انكشاف وهزالة فكرة الشراكة السعودية في التنظيم الدولي للإخوان فرغم أن مدرسة الإخوان المسلمين كرواد فكريين لها حضور تاريخي طبيعي في مناطق المملكة إلا أن وجود تنظيم بهذه الصورة المزعومة لا حقيقة له وقد فصّلت ذلك في دراسة قبل ثلاث سنوات بعنوان - الحالة الاخوانية في الخليج رؤية نقدية – وضّحت فيها كيف أن الوضع في الحالة السعودية أضحى مندمجاً كليةً ودخل في الحركة السلفية التي استوعبت كإطار تربوي في مكتبات وأنشطة وخلافه تعمل فوق السطح وخاصة في الجنوب التابع تقليديا للمشايخ في الرياض فيما تبقّى ساحة الفكر كطبيعتها مفتوحة بين المدارس والرؤى الإسلامية والعربية الثقافية في الشارع العام , ورغم أن الشيخ عوض القرني بقيت له مسافات يعرض رؤاه الفكرية الأكثر نضوجا في التجديد السلفي المعاصر والأكثر حضوراً مع قضايا الأمة وبنفس فاعل متميز على المستوى الخليجي والعربي إلا انه استمر في صعود مضطرد في تجسيد علاقته في الإطار الداخلي بالمشيخة السلفية المحافظة إلى درجات جعلته يخرج عن حدود الموقف الإسلامي المتوازن الذي امتنع عن الدخول في صراعات فكرية مع بعض الأطياف الوطنية أو الليبرالية كما رفض المشاركة في حفلات الرقص التي تستهدف التيار السلفي المعاصر للنقض لا للنقد و رآها جميعاً أهداف لا تخدم المصلحة الوطنية بالمفهوم الإسلامي المنهجي , رغبة هذه المنهجية الإسلامية المعتدلة بان يبقى التوازن الوطني الإسلامي الداعم للمبادرات الإصلاحية في عهد الملك عبد الله تنمويا وحقوقيا واقتصادياً فيما يدير تحفظه وخلافه على جوانب الاختراق السلوكي الضخم بهدوء , فضلاً عن تباين الإسلاميين بغالبية اتجاهاتهم مع الموقف الرسمي السعودي الأخير من المقاومة الفلسطينية لكنّ هذا الخلاف يُدار دون اللجوء لمعارك تُشعل لأهداف ذات أبعادٍ خطيرة تهدد الوحدة الوطنية , المهم والذي يعنينا في هذا الإطار أنّ الشيخ عوض كان أقرب في الملف الداخلي للمدرسة السلفية المحافظة ولك أن تعرف ماذا بين هذه المدرسة وبين الإخوان من فراق ضخم حتى يتضح لك بطلان قصة القاهرة وحجم التضخيم في المسميات دون أصلٍ لها . وما ذكرتُه من تفصيل ليس سري وهو مدرك من قبل أروقة الدولة الرئيسية في المملكة والشيخ عوض مشارك رئيسي ومعروف في كثيرٍ من اللقاءات الخاصة والحوارات العامة الرسمية كممثل حليف للتيار السلفي المحافظ وان اختلف في تصوراته الفكرية أحياناً معهم , مع حضور نوعي لشخصه وجسور واحترام كبير من كل أطياف الفكر الإسلامي وشخصياته في مناطق المملكة فضلاً عن شعبيته الكبيرة في الجنوب والتوازن الوطني الذي يُشكّله هناك في البناء الاجتماعي للوحدة الوطنية , ومن المعروف أنّ هذا التشكيل الفكري والاجتماعي يُشكّل قاعدة راسخة لأهل السنة السعوديين واستدعائنا لهذا المصطلح هو للمقاربة بين ما يستخدمه الإعلام المصري الرسمي في مواجهة المشروع الطائفي الاستعماري لإيران والضجيج به لأهداف خاصة فيما هو الآن يشن حملة على أهل السنة ..وأين...؟... في السعودية؟؟ لذا اصطدمت القاهرة بهذا الموقف السعودي الساخر ضمنياً من ضجيجها , وتبقى قضية فبركة الملفات واستغلال علاقات الإسلاميين العرب ولقاءاتهم الطبيعية صناعة ليست مفاجئة لأوراق التزوير الأمنية.... لكنّها احترقت مبكراً مع كل الزيطة والزنبليطة – حسب تعبير أشقائنا في مصر - التي يُحضّر لها الإعلام وسقط الهدف من أيدي الأمن المصري , غير أنّ هدف إسرائيل الاستراتيجي يبقى محركاً أساسياً للعبة فما هو الهدف ..؟ استعداد للجولة الجديدة إن استعادة الأرشيف لحرب غزة يُعطي مساراً محدداً لفهم الدور السري لهذه القضية , فلقد كان الهجوم في حرب يناير منظّم بالنسبة لتل أبيب وحلفائها في رام اللهوالقاهرة وتم شن حملة إعلامية ضخمة شاركت فيها مؤسسات إعلامية وقنوات فضائية عربية ومن أهمها قناة وصحف من الخليج كانت تتزامن مع الهجوم الإسرائيلي للتشكيك في حماس والمقاومة في غزة وللتعجيل بانهيارها وضرب العمق العربي والإسلامي لها وتحديداً في الخليج من خلال إثارة علاقة حماس بإيران حتى أنّ بعض الكتاب العلمانيين العرب وخاصة السعوديين المعادين لغزة كانت تل أبيب تعيد نشر مقالاتهم في مواقعها وصحفها يومياً , وكان الرهان على عزل حماس وضرب علاقتها بالمجتمع العربي في مناطق حسّاسة كمصر والخليج العربي , غير أنّ وقوف التيار الإسلامي في المملكة بقوة وتفنيده للدعايات حول إيران بان كل ما اضطرت له حماس من علاقات معه إيران إنما كان تحت طائلة الضرورة التي ألجئها إليها النظام الرسمي العربي , ومع بروز مواقف تضامنية حازمة من كل الشرائح الوطنية والليبرالية والقومية في السعودية إلاّ أن الاختراق كان يراهن على الجبهة الإسلامية والسلفية بالذات , وهو ما فشل بناءً على مواقف تضامنية صلبة إعلاميا من التيار الإسلامي السلفي المحافظ الذي كان مستهدف بالدرجة الأولى , وكان إعلامه الممثل بصحيفة لجينينات والمختصر وموقع المسلم وغيرهم فضلاً عن الحضور القوي وإبداع وصدارة صحيفة الإسلام اليوم الالكترونية وقناة دليل للإعلام الإسلامي السعودي , كل ذلك شكّل جبهةً في وجه المشروع الإسرائيلي وحلفائه من بعض الكتاب العرب وهو ما افشل في حينه سيناريو -القاهرة تل أبيب رام الله -بكشف ظهر حماس بل المقاومة والشعب في خضّم المعركة , وتلقت تل أبيب صفعة من الشعب السعودي فيما كانت بالفعل تراهن على هذا الاختراق , وكان لنشاط الشيخ عوض وتصريحاته القوية ضمن تيار الممانعة المستقل عن المحورين أساساً قويا في هذا المشروع الردعي الذي برز انكشافه اثر صمود غزة وتعرّت صورته في عقلية المشاهد العربي . لذا فإنّ هذا الحساب لا يزال مهماً في برنامج تل أبيب وحلفائها في الحرب ليس لتصفية ملف الماضي وحسب ولكن لتهيئة المشهد في كل أركان البيت العربي وبالذات في مواقع العمق الحسّاسة لحملة جديدة تسعى بكل قوتها لتصفية أركان الممانعة الحليفة للقضية الفلسطينية و غزّة بإضعاف العمق العربي للقيادة المركزية للشعب الفلسطيني المتمثلة بحماس وحلفائها , ليكون المسرح معداً لأي جولة جديدة أكانت حربا أم مشروعاً امنياً يهدف لإسقاط غزة وحماس بأيدي عربية وإسرائيلية , هنا تبرز مدى الحاجة الإسرائيلية لإزاحة أي عقبات على الطريق ومجددا تنفذها بالوكالة يد القاهرة , ومع قناعاتنا بقوة الرابطة العظمى والشراكة الوجودية بين مصر وشعبها الكبير وبين الخليج العربي المتحدون في نصرة غزة والأقصى , وعدم تأثّر العلاقات الشعبية بملفات تل أبيب إلاّ أنّ التساؤل يعود مجدداً عن الضمير الغائب في القاهرة؟ والحقيقة أن الأمر يبدوا غريباً في قضية هذا التصعيد وهو ما عنيته بالملف الثاني , انّه السؤال الكبير...؟ فهل تحريك تل أبيب وعمر سليمان لهذه الملفات والتصعيد الأخير على شعب غزة هل هو نوع من التوريط للرئيس المصري وخلافته..؟ , هل هناك صراع سري داخل محيط الرئيس يعمل على تأزيم الوضع لاستحالة استخلاف وريث من آل مبارك واستبداله بمرشح آخر لقياسات مصالح إسرائيلية بغض النظر عن موقف المعارضة والشعب المبدئي برفض الجميع , فنحن نقصد الصراع المتواري في ضمير بروتس ويبدوا أن الرئيس يدرك أن بروتس اقرب بكثير من البرادعي , والعقل المجرد يؤكد بان العاقل لا يستمر في الاندفاع في الهاوية هذا لأجل حساباته المصلحية أما المبدئية فهي عند الشعب لا نظام الجدار الحديدي على أطفال غزة.