احتل الاختلاف حول الاختلاط في العمل والدراسة حيزاً كبيراً في البرامج التلفزيونية الحوارية، وكذلك في الصحافة ومنتديات الإنترنت. وتمخضت ردود أفعال متفاوتة، ما بين دعوة لإعادة بناء الحرم الشريف للحد من الاختلاط، والمجادلة بجوازه مع ضرورة الحشمة والالتزام باللباس الإسلامي. ولا شك أن طرح هذا الموضوع في وسائل الإعلام يُعد – في حد ذاته – تغيراً اجتماعياً كبيراً، لم يكن معتاداً في الماضي القريب. والحوار من حيث المبدأ مسألة صحية، بل ضرورية في المسائل الاجتماعية، فالمقارعة بالدليل والمنطق أمر مطلوب، لضبط التغير الاجتماعي في المسار الصحيح، ومن ثم التمييز بين المسائل الدينية والقيم الاجتماعية، خاصة أن هناك اختلاطا وخلطا كبيرا بين التعاليم الدينية والقيم الاجتماعية في كثير من الموضوعات، وكذلك مبالغة في استخدم ""باب سد الذرائع"". يُشير البعض إلى أن الاختلاط مباح من الناحية الشرعية وفق الضوابط والآداب التي تصونه من الفتنة، ولكن الخلوة محرمة. ويجادلون بأن ظاهرة منع الاختلاط في الحياة العامة والتعليم الجامعي بالذات تؤدي إلى حرمان المرأة من التعليم في مجالات مهمة، كالهندسة والإعلام وغيرها، مما يقلص فرص إسهامها في خدمة المجتمع وتطويره. وفي المقابل يرى الأغلبية أن الاختلاط محرم في غير الضرورة، ""فالضرورات تبيح المحرمات""، ويرون بأن من يجادلون في اختلاط المرأة بالرجال يتمسكون بحجج ضعيفة لا تستند على دليل، مؤكدين أن الاختلاط مدعاة للفتنة بين الرجال والنساء، مما يشجع الخطيئة وينشر الرذيلة في المجتمع المسلم. ومع إيماني بأن الثوابت الدينية لا تخضع لاستطلاعات الرأي، إلا أن مسألة الاختلاط في العمل والتعليم أصبحت في الآونة الأخيرة مثار جدل ومدار حوار، مما لا يمنع من المشاركة ببعض المعلومات الإحصائية. فمما لفت انتباهي حول هذا الموضوع نتائج إحدى الرسائل العلمية حول التعليم الجامعي المختلط. فبناء على بيانات العينة التي اعتمدت عليها تلك الدراسة المتكونة من 440 طالباً وطالبة في كليات الطب بجامعتين من الجامعات السعودية، تُشير نتائج الدراسة إلى أن نسبة المؤيدين للاختلاط من بين الطلاب (ذكوراً وإناثاً) تصل إلى نحو 71 في المائة، مقابل 29 في المائة من المعارضين. ويذكر المؤيدون من الطلاب أن الاختلاط في التعليم الجامعي يشجع على التنافس بين الطلاب، مما يؤدي إلى رفع مستوى التحصيل. أما الطلاب الرافضون للاختلاط فيرون أن الاختلاط يؤدي إلى تكرار الغياب عن المحاضرات لكلا الجنسين، ويمنع الطالبات من إبراز مهاراتهن وإمكاناتهن العلمية، ويتسبب في الخجل بين الجنسين، إضافة إلى الخشية من التحرش الجنسي وظهور بعض المشكلات التي تؤدي إلى عدم إكمال الدراسة. ومن اللافت للنظر أن الفروق بين الطلبة والطالبات طفيفة، فنسبة المؤيدين تصل إلى 71 في المائة بين الطلاب الذكور، وإلى 70 في المائة بين الطالبات. في الختام أدعو الله أن يوفق الجميع إلى ما يحقق الخير للمجتمع، ويسهم في دعم تطوره وتقدمه، واستمرار مسيرته.