قرأتُ قبل أيام نتائج استفتاء (حول طبيعة الشعوب الأوربية) جاء فيه أن "الفرنسيين أقل الشعوب ودا وأكثرهم فظاظة وإثارة للملل".. وقد اتفق مع هذا الرأي 46% ممن زاروا فرنسا وأجابوا عن أسئلة تتعلق بالشأن السياحي وأكثر الشعوب فظاظة وودا مع السياح.. وبعد الفرنسيين جاء الألمان كأكثر الشعوب خشونة وفظاظة في حين أتى الإيطاليون كأفضل الشعوب ودا وترحيبا بالسياح بل وتفوقا في الأناقة والطبخ (حسب وكالة الأنباء الفرنسية)... ... وبيني وبينكم ؛ سبق أن قرأت استفتاءات كثيرة مماثلة لم ترق لي شخصيا كونها تحاول حشر شعوب بأكملها داخل علب ساردين مغلقة .. غير أن ما لا يروق لشخصي المتواضع لا يعني شيئا أمام طبع بشري سيئ (نراه في كافة المجتمعات والثقافات العالمية) يضفي قوالب سلبية صارمة وأحكاما جماعية مسبقة على (الآخرين) .. فكل الشعوب لديها قوالب نمطية معلبة تصف هذا الشعب أو ذاك بالغباء أو البخل أو الكذب أو الاحتيال أو خشونة الأخلاق (وجميعها صفات قد تصدق على أرض الواقع في حال أطلقناها على نماذج فردية خاصة)... ورغم أن أوربا تقدم اليوم مثالا للتحضر والتوحد والاندماج الثقافي والسياسي فمازلنا نسمع داخلها من يصف الانجليز بالتحفظ والفرنسيين بالغرور ، والاسكتلنديين بالبخل والألمان بالصرامة والبولنديين بالغباء والإيطاليين بعدم القدرة على إكمال شيء مفيد .. غير أن هناك إحصائيات موثوقة تثبت في المقابل أن الألمان (بعكس سمعتهم في الصرامة والالتزام وحب العمل) يأتون في مقدمة الشعوب الأوربية من حيث طلب الإجازات والصرف على وسائل الترفيه ، أما الإيطاليون فيأتون في مقدمة الأوربيين من حيث المهارة الحرفية والصناعات الدقيقة ، في حين يمكن للانجليز (المؤدبين والمتحفظين) اعتماد أساليب سمجة وعنيفة عند اللزوم (خصوصا في مباريات كرة القدم) أما البولنديون (الذين اشتهروا بالغباء) فأتوا في المركز الثاني كأكثر الشعوب ذكاء في أوربا (اعتمادا على متوسط اختبارات الذكاء الجماعية الذي قامت به جامعة الستر الإيرلندية العام الماضي) !!! المشكلة في نظري هي أن عقولنا ميالة لتعليب وتبني (قوالب مسبقة) عن المجموعات والشعوب الأخرى ثم اعتمادها كمرجع في التعامل معهم والحكم عليهم .. ولو استمعت جيدا لما يدور حولك لوجدت من يطلق صفة "اللؤم" على ذلك الشعب ، و"الخبث" على تلك الأمة ، و"الذكاء" على ذلك العرق ، و"الأمانة" على تلك الجنسية بدون مراعاة للفوارق الفردية أو المواقف الشخصية .. ولأن ذهنية البشر بطبيعتها ميالة للتفريق وخلق التباين مع الآخرين تظهر هذه التقسيمات الجماعية الضيقة (حتى ضمن المجتمع والشعب الواحد) ؛ فهي تطلق في مجتمعنا مثلا على أساس قبلي أو مناطقي أو عرقي أو موروث تاريخي وكثيرا ما تتحمل الفئة الأقل شأنا مسؤولية كل النكات الغبية!! ... غير أن تحكيم العقل والمنطق يثبت أن الأحكام الجماعية (بطبيعتها) خاطئة وغير دقيقة لأنها ببساطة شمولية ، وعمياء ، وغير محكمة ، وليست واقعية أو مجربة ، وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم! ... وما أراه تحضرا بالفعل (وما أحلم برؤيته مستقبلا) هو التخلي عن فكرة التعميم من أساسها و"تخطئة" ذهنية القولبة الجماعية بكافة أشكالها والاقتصار في أسوأ الظروف على التجربة الشخصية مع كل فرد على حدة ...وأعترف أنني سأحلم لفترة طويلة.