في إحدى المناسبات الفكرية، قال أحد المفكرين، وهو يجاذبني أطراف الحديث: «لقد كُتب عن الإسلام السياسي والإسلام الحركي في العصر الحديث (أقصد من الستينيات وحتى الآن) أكثر مما كُتب في العصر الإسلامي كله». وبغض النظر عن دقة الفكرة من عدمها، وعلى رغم تحفظي قليلاً عليها، لأن كثيرا من الرؤية الإسلامية للإسلام السياسي جاء مضمناً لأجزاء أخرى من كتب التراث الإسلامي، إلا أن الرؤية هذه فيها جوانب صحيحة، بخاصة إذا ما نظرنا إليها بزاوية المبالغة في الإسلام السياسي على حساب الإسلام التنموي. وحتى تكون الرؤية صحيحة، لايزال قطاع عريض من الإسلاميين مشغولين في الحراك السياسي واعتباره حجر الزاوية في عملهم الإسلامي، على رغم أن مجالات العمل الإسلامي واسعة جداً، إلا أن حصرها بالإسلام السياسي جعل منها أزمة حقيقية، لأن الإنسان هو الإنسان بثقافته وتوجهاته الفكرية، وهي صبغة ظاهرة له، وليست مؤثراً عظيماً عليه. ولذلك تجربة الإسلام السياسي في بعض الدول باءت بالفشل، لأنها وصلت بالديمقراطية فأقفلت باب الديموقراطية، أو أنها ضربت قبل أن تصل إلى الحكم، ألا يبدو الأمر مقلقاً؟. وبرؤية أخرى في السياق ذاته، لننظر في تجربة الأخوان المسلمين في مصر، كانت الجماعة الإسلامية هذه تنمو بشكل مذهل عندما كان حسن البنا مهتما بالصحة والمدارس وتعليم الناس، وانقلب الحال رأساً على عقب عندما تحول الإسلام التنموي إلى إسلام حركي سياسي على يد سيد قطب لينفضّ الناس من حول الجماعة، والآن ليست سوى عاطفة وتاريخ حركي في مصر لا أكثر! الإسلام السياسي الحديث لا يعمل في منظومة فكر مستقل بثقافته الخاصة، بل هو يحمل الصبغة الإسلامية مع الثقافة المحلية. فالدكتاتورية في إيران في عهد الشاه هي نفسها في ما بعده، مع اختلاف التوجهات، وحماس في غزة لم تقدم الكثير كما زعمت كبديل لفتح في فلسطين، وتجربة السودان في شقها «البشير وسوار الذهب»، أو في شقها الآخر «المهدي والترابي» لم تقدم أي صورة متميزة للإسلام السياسي، وكذلك التجارب الأخرى الإسلاموية. لمَ لا يتحول الإسلام السياسي إلى إسلام تنموي مفيد بدلاً من خلق الصراعات التي تضعفنا وتؤذينا؟. وأقصد بالإسلام التنموي، نشر التنمية والوعي والتعليم في العالم الإسلامي من خلال استغلال التعاليم الإسلامية الحاثة على مجموعة القيم التي هي أساس التنمية مثل: الإخلاص في العمل، واعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، وإتقان العمل والصدق والعلم والإخلاص ومحبة الغير كمحبة الذات، والحث على التعليم المبكر وفضيلته. كل هذه القيم وغيرها يمكنها أن تغير المجتمعات الإسلامية من مجتمعات متخلفة إلى مجتمعات منتجة، اذا ما تم استغلالها من قبل الدعاة المسلمين من دون أن يستهلكوا أنفسهم في قضايا شبه ميتة، أو أنها مغرية لهم أكثر من غيرها، قضايا السلطة والتغيير بالقوة والحراك السياسي الإسلامي. وبعبارة أخرى لماذا لا يغيرون بالقاعدة للوصول إلى القمة، بدلاً من العكس الذي يعني العسف، بمعنى لو وصلوا للسلطة لأجبروا الناس على التحول للإسلام.