محسن علي السهيمي - المدينة السعودية أحيانًا تضطر لحكِّ رأسك بقلمك دون شعور، أو العزف بأناملك المتعبة على الطاولة التي أمامك ، وأنتَ تعيش حالة من السرحان (المطلوب) لكي تصطاد حلاًّ لمعادلة فكرية شغلت بالك، واستعصت على الحل على الرغم من تفكيرك العميق فيها ، وسعيك الحثيث لعمل مقاربات بين حدودها المتنافرة. لن أجتر قضية المبتعث السعودي (حميدان التركي) لبلاد الديمقراطية والعدل والحرية ، فالجميع يعرف تفاصيلها ، ودعوني أنتقل بكم من بلاد الديمقراطية ونعبر المحيطات والقارات لنحط رحالنا جوار جمس (هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) لدينا (ونتخيل) أن الهيئة هي التي ألقت القبض على حميدان وأسرته بالتهمة نفسها دون زيادة أو نقص. هنا ستتحرك الأقلام لتمارس لعبتها (المحببة) في تضليل الرأي والنفخ في إهاب القضية – أعني قبض الهيئة على حميدان- وتصويرها بالانتهاك الصارخ للحقوق الشخصية ، وعرضها على الملأ على أنها ممارسات تفتقد لمعاني الإنسانية ، وأنها قضية شخصية لا تحتمل كل هذه (المرمطة) ، وبناء على ما سبق ترى هذه الأقلام أنه يتوجب على الهيئة أن تبادر بإطلاق سراح (الرهينة) حميدان ومن ثَمَّ الأخذ على يدها، وتقليص نفوذها والحد من صلاحياتها ، علمًا بأن الهيئة لم يتعدَّ فعلها استجواب حميدان وبياته ليلة في (مكاتب) الهيئة وأخذ تعهد عليه بعدم العودة لما بدر منه . لا أدري لماذا هذا الصمت المريب تجاه ما يصدر من (الآخر) من أحكام جائرة بحق أبناء وطننا ؟ هل تحمل تلك الأحكام صفة القداسة وهي المنطلقة من قوانين وضعية تُكيَّف حسب المصلحة ؟ هل علينا أن نسلِّم بشرعية تلك الأحكام دون نقاش وحوار مع رعاة الحوار ومصدري الديمقراطية ؟ كيف بنا نقلب المعادلة حين تصدر الأحكام من لدُنَّا فنصبح كالثيران الإسبانية حين ترى اللون الأحمر فتهيج وتحطم من يقف أمامها؟ لماذا لا تتبدى هذه (الغضبة المضرية) على الحقوق الشخصية إلا حين تصدر الأحكام من بيننا وفق تشريع سماوي أو في أقل الأحوال نتيجة أحكام تعزيرية اجتهاد (مخففة) مقرونة بالخشية من الله ؟ أسألكم بالله هل لدى الهيئة قضية (تماثل) قضية حميدان حُكِم صاحبها بالسجن (28) عامًا ؟ وماذا كانت ستقول أقلامنا عنها ؟ إذًا لماذا الصمت عندما صدرت من بلاد الديمقراطية ؟ هل ينطبق على أقلامنا قول الشاعر : أسد عليَّ وفي الحروب نعامة .. ؟ أنا وغيري مشفقون على (قرَّاء) تلك الأقلام المتلونة ، الذين يظنون أنها تتمتع بالجرأة في قول الحق ، والمصداقية معهم، لكنها تسقط في أبسط اختبار تتعرض له ، وتُنحِّي الحيادية وقبلها عقلية القارئ جانبًا. لا أقف في صف الهيئة ولا أدَّعي لرجاها العصمة، لكنني أطالب بشيء من الموضوعية والإنصاف معها ، فلو جُمِعت أحكامها الماضية بالسجن على مَن قبضت عليهم (جميعًا) في قضايا تماثل قضية حميدان بل وبعضها أشد فلا أعتقد أنها تصل (28) سنة هي مدة الحكم على حميدان في بلد الديمقراطية ! الشجاعة الأدبية تتطلب الوقوف ضد المخطئين بالقوة نفسها والثبات ذاته، وأمانة القلم تستوجب احترام عقلية القارئ فلا تخوض بها معاركها ، وتوهمها بأنها تسعى للمصلحة العامة والواقع أنها تسعى لمصالحها الشخصية أو التشفِّي في أقل الأحوال ، وحين تأتي مواقف خارجية مشابهة بحق أبناء وطننا يُفترض فيها حضور تلك الأقلام سرعان ما يجف مدادها ، وتدَّعي الحيادية وترك الفضول!.