فكرة المساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في جميع الأعمال وجميع مهام الحياة أكذوبة وفكرة خرافية بقدر ما هي طرح ظالم ، وكون بعض النظم السياسية الحديثة اضطرت إلى تحقيق جانب كبير من هذه المساواة المطلقة لظروف تاريخية وعسكرية وسكانية مرت بها لا يعني أنها مرجع إنساني للعالمين وكتابا مقدسا لا يجوز المساس بمقرراته أو تصوراته ، فهناك فطرة إنسانية خلق الله الخلق متمايزين فيها ، وهناك تباين في القدرات الجسدية والعصبية بين الاثنين لا يجادل فيها أحد ، وقد ترتب على هذا التباين تباين في الوظائف الاجتماعية والاقتصادية ومجالات التنافس المختلفة ، حتى التنافس الرياضي فهناك مسابقات خاصة بالنساء ومسابقات خاصة بالرجال ، ولا يصح ولا يجوز بدعوى المساواة أن تختلط الأمور وتكون هناك مسابقات ينافس فيها النساء الرجال ، لأن هذا ظلم للنساء أولا ، وخروج على مقتضى العدالة ذاتها ثانيا ، ومعاندة لفطرة الخلق ثالثا ، ولا يعني عدم المساواة هنا ظلما أو احتقارا للمرأة أو تقليلا من قيمتها ودورها وقدراتها ، وإنما هو احترام للفطرة واحترام للخصائص وتوزيع الطاقات الإنسانية في المجتمع بما يناسب كل جنس فيه بما يحقق تكاملية العمل وتكاملية فعل إعمار الأرض ، وهذا التباين في الوظائف والأدوار يرتبط جزء منه بالخصوصيات الإنسانية والأخلاقية والاجتماعية والدينية لكل مجتمع ، فما يناسب المجتمع الأمريكي مثلا ليس بالحتم يناسب المجتمع المصري ، وبالتالي قد يمكن للجيش الأمريكي أن يقبل متطوعات للعمل في صفوفه ويسافرن إلى خطوط المواجهة والقتال في قارات الدنيا كلها ويتعرضن لما هو معروف من كثرة القضايا التي تناولها الإعلام من تحرشات جنسية وغيرها ، إضافة للمخاطر الكبيرة التي يتعرضن لها ، إضافة إلى الاضطراب الاجتماعي الذي يتسبب فيه هذا الوضع ، لأن هذه "الجندية" هي ابنة أسرة أو زوجة أو أم ، وما يترتب على مثل هذا العمل الجديد من اضطراب ، وهو ما لا يناسب الوضع في مصر أو غيرها من البلاد العربية ، وإضافة إلى العديد من الأعمال الشاقة والخطرة الأخرى مثل العمل في المناجم أو الوظائف غير الإدارية في السكك الحديدية وقيادة سيارات النقل الثقيل وغير ذلك من أعمال خشنة وشاقة لا تتسق وطبيعة المرأة ، ولا يعني الأمر أنها لا تستطيع أن تشارك فيها ، وإنما القصد أن مشاركتها في هذه الأعمال فيه ظلم كبير لها وظلم بالتالي للمجتمع نفسه الذي تهدر طاقات أبنائه في العبث لمجرد الظهور بمظهر المجتمع العصري والمشابه لمجتمعات الشمال ، وحتى مجتمعات الشمال ذاتها لا يوجد فيها المساواة المطلقة في المؤسسات العسكرية والأمنية والسياسية والبرلمانات وغيرها ، دائما وجود المرأة فيها رمزي ونسبة هامشية ، وبالتالي لا ينبغي ونحن نصوغ منظومتنا الاقتصادية أو الاجتماعية أن نقع أسرى هذه "التبعية" الحضارية للغرب ، وأن تكون لنا إبداعاتنا الفكرية والقانونية والتنظيمية والإدارية التي تتسق مع مجمل المنظومة الحضارية والإنسانية لمجتمعاتنا ، ووفق هذا الإطار من حق القضاة كما من حق رجال المؤسسة العسكرية كما من حق أي مؤسسة أخرى أن تناقش بجدية وحرية ودون أي هواجس أو ضغوط أو إرهاب من هنا وهناك ، ما يحقق المصلحة العامة للوطن ومقتضيات الإصلاح والأمن والعدل فيه ، ومن الطبيعي أن يشتبك المجتمع نفسه بمثقفيه وإعلامه وأكاديميه ومؤسساته الأهلية وغيرها مع مثل هذه الحوارات ، ولكن بنفس هذه الروح الجادة والمسؤولة ، وليس بمنطق التصيد وفرض "كهنوت" فكري أو أخلاقي أو اجتماعي مستورد بوصفه مقدسا لا يمس ، فالذين يطرحون القضية من هذا المدخل يضللون المجتمع عن مصالحه الحقيقية فعلا ، ويحاولون تجريع المجتمع أفكارهم الشاذة دون أي دلائل على جدواها أو قيمتها ، وإنما لمجرد الانتصار "الإيديولوجي" في معارك فكرية ، فضلا عن هؤلاء الذين يتاجرون بقضايا المرأة للتودد عند ذوي الجاه والسلطان والنفوذ ، هنا أو هناك