مللنا من التحذير منها... تعبنا من التصريح عن مخاطرها... حوربنا لمطالبتنا بالحسم قبل حصولها... لكنها وصلت ولم يعد من معنى لاي كلام سوى كلام المواجهة ورص الصفوف والالتفاف حول الثوابت. انها الفتنة... وصلت خلال اسبوع فقط بوجهين من أقبح الوجوه. حضري - قبلي وسني - شيعي. فتنة لم يشعلها اشخاص فحسب بل الاهمال ايضا والتراخي في تطبيق القانون. فتنة ادت الى ردود أفعال غاضبة في الشارع والى أفعال حكومية متأخرة بعدما «طاحت الفاس بالراس». التنظير لا يهم، التذكير لا يهم، المحاضرات لا تهم. المطلوب تحرك عاجل وفق المنطق والقوانين وليس وفق الشعارات والعواطف. المشكلة أولاً ليست بين سنة وشيعة وبدو وحضر، اللهم إلاّ إذا كنا لم نرتق كدولة ومجتمع الى ابجديات الرقي والنضج والتحضر. والمشكلة ليست بين اسرة الصباح الكريمة والشعب الكويتي كما دأبت اجهزة اعلام وهيئات سياسية على تصويرها، فالاسرة جزء لا يتجزأ من الشعب الكويتي تدين له بالتقدير والمشاركة والشعب الكويتي يدين لها بالتقدير والولاء. والمشكلة ليست في التعددية السياسية والديموقراطية والحريات التي تتميز بها الكويت بل في الانغلاق الذي يريد البعض ان يجرنا اليه ويخضعنا لثقافة الرأي الواحد او الفكر الواحد. ان ضرب الحريات والديموقراطية هو المدخل لسيادة العصبيات الطائفية والقبلية والمناطقية وانغلاق المجموعات على عقائدها وافكارها وخصوصياتها. والمشكلة ليست في انفلات لسان هذا او ذاك، ففي كل المجتمعات مستويات مختلفة من الاشخاص والافكار والتصريحات والآراء، لكن استيعابها يتم من خلال تزايد الوعي المدني بحجم المتحدثين وعدم اسقاط كلامهم على مجموعات اكبر مثل الطائفة او القبيلة، اي ان رأي فلان يمثله وحده، واستيعابها اكثر يتم من خلال تفعيل القوانين الموضوعة لحماية الفضاء الاجتماعي والسياسي والاعلامي من توجهات كهذه تسيء الى الوحدة وتشجع على الانقسام. القانون ثم القانون ثم القانون هو الفيصل الوحيد للحسم... إذا كنا لا نريد شريعة الغاب. والمشكلة كل المشكلة موجودة لدى السلطة التنفيذية، فهي المنوط بها ادارة البلد، والمشكلة الاكبر هي في الحقائب السيادية داخل الحكومة لأن من يتولاها عادة هم ابناء الاسرة الذين يجب أن يبذلوا جهدا مضاعفا: مرة لانهم وزراء ومرات لانهم ابناء النظام وعليهم ان يكونوا قدوة لغيرهم كونهم مشاريع حكم. وكي لا نفلسف الامور ونطيل الموضوع ندخل الى الازمة الاخيرة مباشرة. وزير الإعلام ووزير النفط شيخ، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية شيوخ ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية شيخ. اي ان الوزارات الاساسية المتعلقة بالامن والاعلام والاقتصاد والشؤون الخارجية والنفط شيوخ... وهذه وحدها اكثر من ثلثي الادارة العامة للكويت. حصل خطأ بالنسبة الى موضوع إعلامي هذه المرة او واجهته اعلامية كون الاعلام من اكثر الامور دقة وحساسية في دول كدولنا. والخطأ كان طابعه طائفيا بالنسبة الى مركز غير مرخص يصدر مطبوعات اعتبرتها شريحة كبيرة من الكويتيين مسيئة لها، وحضرياً - بدوياً بالنسبة الى قناة غير مرخصة بثت امورا اعتبرتها شريحة كبيرة من الكويتيين مسيئة لها. سكت الوزير عن الخطأ. استمر الخطأ واستمر سكوت الوزير. وفيما عدا تصريح يتيم للشيخ احمد الفهد، استمر سكوت الوزراء الشيوخ الآخرين الذين يفترض انهم شركاء في هذا الملف لما له من نتائج وتداعيات وانعكاسات على القطاعات التي يتولون ادارتها سواء في مجالات الامن او الصورة الخارجية او الاقتصاد... بدأ وزراء السيادة يتشاورون في كيفية المواجهة بعد نزول عشرات الآلاف الى الشارع، ثم تقرر اتخاذ الاجراء الذي كان يجب ان يتخذ قبل اشهر وسنوات، انما بعدما حصل ما حصل. في الانظمة المتقدمة لا يُسأل الوزير لماذا تأخر في اتخاذ القرار بل يسأل لماذا لم يطبق القانون على التجاوزات من البداية. ولأن وزير الاعلام من الاسرة الحاكمة، ولان صاحب السمو ولي الامر يقول دائما بأن ابناء الاسرة أول من يجب ان يكونوا تحت القانون وان يكونوا قدوة لغيرهم، كان يجب على رئيس الوزراء ان يحاسبه هو لا ان يترك الحساب اما للشارع واما لمجلس الامة. هناك مركز يعمل بلا ترخيص منذ سنوات فاين الوزير عنه؟ وهناك قناة يقول الوزير نفسه انها تبث من دون ترخيص فأينه عنها؟. هذه حدود المسؤوليات وهي واضحة وصريحة وتنفيذها قوة لرئيس الحكومة وللاسرة نفسها ولا اساءة فيها لاحد. لان المحاسبة لو تمت بإعفاء الوزير مثلا من مهماته لانه قصر او لانه غير قادر على التفاعل مع قطاع حساس كقطاع الاعلام، لما حصل ما حصل ولما خرج من خرج الى الشارع ولما اصبحت القضية قضية تحد، اي اما ان تفعلوا كذا او نفعل كذا، وهي لغة بالمناسبة لا نحبذها ولا نريدها ولا نوافق عليها فمن ينادي بتطبيق القانون اولى به ان يترك القرار للقضاء لا للشارع. هذا هو القانون، وهذه هي قدرات الوزير اذا افترضنا حسن النية او هذه هي تجاوزاته اذا افترضنا سوء النية، وهذه مسؤولياتكم يا سمو الرئيس بغض النظر عما جرى في الشارع، وهذه هي مسؤوليات ابناء عم الوزير من الشيوخ الذين كان يفترض ان يتقدموا في المسؤولية وينبهوه الى خطورة التراخي والتهاون في تطبيق القانون وانعكاسات ذلك على الامن الاجتماعي والسياسي والاقتصادي. اما وان ذلك كله لم يحصل فلا بد من نقطة بداية... وهذه يعرفها الرئيس والوزراء جيدا. رحمة بالكويت، لتأخذ الحكومة زمام المبادرة قبل ان يصبح اعفاء وزير من مهماته تفصيلا بسيطا امام حجم التطورات التي تتعاظم بسبب انتهاك القانون... تحت بصر الحكومة.