جمال سلطان - نقلا عن الاسلام اليوم في سياق تحرّشها بالعالم الإسلامي وقيمه وتقاليده، والرغبة المحمومة في تشويه كل ما يتصل بالإسلام والمسلمين، تصل الدوائر الغربية أحياناً إلى مستويات مثيرة للدهشة من التفاهة والغثاثة وغياب العقل، هذا بالضبط ما استشعرته وأنا أتابع وقائع الاحتفالات المهيبة في دوائر أوروبية رسمية وثقافية وديبلوماسية بصحافية سودانية مغمورة قررت لبس بنطال ضيق اعتبرته السلطات السودانية المحلية مخالفة للآداب العامة، وحولتها إلى محكمة ابتدائية قضت بجلدها أربعين جلدة، وهي عقوبة تأديبية ألغتها محكمة أعلى، واكتفت بتغريم المذكورة بمبلغ مالي صغير. إلى هنا والحادثة عادية إلى حد كبير، وتكررت مع فتيات أخريات، إلاّ أن "لبنى" التي تعمل مع بعض المؤسسات الأوروبية تفهم اللعبة وأصولها، فقرّرت أن تحول حكاية البنطال إلى قضية وسبوبة؛ فاتصلت بأصدقاء كثيرين خاصة من الصحفيين الغربيين، وتواصلت مع قنوات فضائية منها قنوات عربية مع الأسف وقدّمت نفسها بوصفها مناضلة كبيرة مدافعة عن حق المرأة في لبس البنطال، ثم تحوّل البنطال إلى رمز تحرّري كبير للمرأة العربية المضطهدة، ثم أصبح البنطال عنواناً على أهم الأخبار في النشرات الإخبارية لقنوات فضائية وصحف محلية ودولية، ثم أخيراً تحوّل البنطال إلى حدث عالمي وقيمة إنسانية يتم الترتيب لإنجاز جائزة عالمية باسمه، ربما يُطلق عليها "الجائزة العالمية للبس البنطال"!! نحن أمام حالة عبثية بامتياز، تزداد عبثية المشهد عندما نرى وزير خارجية دولة أوروبية كبيرة بحجم فرنسا يقرر استقطاع جزء من وقته من أجل المشاركة في الحفل العالمي للبنطال، ويستقبل الصحفية التي لبست البنطال استقبالاً رسمياً في باريس، مشيداً ببطولتها ونضالاتها الإنسانية الكبيرة المتمثلة في لبس البنطال، كما قامت دوائر فرنسية بشراء حقوق طبع ونشر القصة البطولية الكبيرة للبس البنطال، من أجل نشرها في كتاب، صدر بالفعل وسط احتفالات أسطورية بلبس البنطال، ويُلاحظ أن الكتاب صدر باللغة الفرنسية أولاً، مع الإشارة إلى أنه سوف يُترجم لاحقاً إلى "اللغة العربية"، على الرغم من أنها صحفية عربية؛ أي أن الكتاب تم إعداده أساساً للتصدير، أو بمعنى آخر أرادت تلك الدوائر أن تمنح "بطلة البنطال" الدعم المالي الكافي لكي تواصل مسيرتها النضالية المؤسسة لعصر البنطال. وأتصور أن جامعات أوروبية سوف تدعو عما قريب بطلة البنطال إلى المحاضرة في قاعاتها عن رحلتها مع البنطال، والتحديات الكبيرة التي واجهتها في سبيل تمسّكها بالبنطال، مصحوبة تلك الرحلة الإنسانية "النبيلة" لمكافأة صحفية البنطال بعمليات تشهير بالإسلام والمسلمين والعالم الإسلامي وكل ما يتصل بالإسلام، على النحو الذي تم مع تسليمة نسرين وغيرها. نحن إذن أمام مسخرة لا تتصل بعقل أو منطق أو أخلاق، والمثير للدهشة أن السيد (برنارد كوشنر) وزير الخارجية الفرنسي الذي احتفل بصحافية سودانية لبست البنطال، واعتبر ذلك دعماً منه لحقوق الإنسان، هو نفسه الذي دافع عن جرائم ارتكبتها جمعيات كنسية فرنسية في السودان، وفي دارفور تحديداً، عندما وصلت "إنسانيّتهم" إلى حد تنظيم عمليات خطف أطفال السودان من المخيمات والطرقات وإخفائهم عن أسرهم، وتهريبهم عبر تشاد ومن ثم إلى باريس، من أجل بيعهم لبعض الأسر الفرنسية، وهي الواقعة التي أثارت استياءً كبيراً العام الماضي، وتم القبض على كثير من أعضاء الشبكة، وحوكموا في تشاد، وحكموا بالسجن قبل أن يتدخل الإنساني الكبير الوزير (كوشنر) لعقد صفقة من أجل الإفراج عن "المجرمين" وترحيلهم إلى فرنسا، مقابل أن تبسط فرنسا حمايتها على نظام "إدريس ديبي" بعد أن طرقت المعارضة المسلحة أبواب العاصمة إنجامينا بالفعل. الوزير "الإنساني" الذي تواطأ لتهريب المجرمين المتاجرين بأطفال السودان يقدم نفسه من خلال مناضلة البنطال كداعم لحقوق الإنسان!! أرأيتم المفارقة؟! وراح يداعب صحفية البنطال في لقائه "التاريخي" معها بأنه كان يودّ أن يقبلها، لكنه خاف أن تزيد عدد الجلدات التي تتلقاها في السودان، وبالتأكيد هذا الكلام من مسؤول رفيع لا تمثل خفة دم بقدر ما تمثل خفة عقل!!