في مجالسنا ومنتدياتنا يدور الحديث كثيراً عن رحلاتنا ومشاهداتنا وغالباً تكون هذه المشاهدات وهذه الرحلات خارج أسوار الوطن، وقليل منا يعرف وطنه تمام المعرفة. الولاياتالأمريكية والمدن البريطانية والأرياف الايطالية معروفة عند بعضنا أكثر من معرفة محافظات ومدن وقرى وأرياف وطننا الغالي، وهذا تقصير وعقوق لهذا الوطن الكبير. هيأ الله لي الأيام الماضية زيارة منطقة القصيم التي أعترف بأني من هؤلاء المقصرين في معرفة وطنهم فعلى الرغم من قرب هذه المنطقة من مقر اقامتي مدينة الرياض إلا أنني لا أعرفها تمام المعرفة، ولم يسبق لي أن قمت بزيارة خاصة لها، لذا، فجهلي بها كان كبيراً، واليوم، وأنا أكتب لكم هذه المقالة، أحمد الله أن هيأ لي هذه الزيارة التي كانت مختلفة تماماً، فلم تكن زيارة أرض أو تاريخ أو إنسان، بل كانت لهذا كله، فعرفت القصيم أرضاً وتاريخاً وحضارة وإنساناً. سعدت بأول حديث عن هذه المنطقة من سمو نائب أميرها الأمير الدكتور فيصل بن مشعل الذي وصفها بأنها أرض بكر لكثير من المشاريع التي يحتاجها إنسان القصيم غذاء وصحة وترفيهاً، هذا الأمير المتقد نشاطاً في سبيل تحقيق نهضة كبيرة لهذه المنطقة الهامة لهذا الوطن الكبير مساعداً لأخيه أمير المنطقة سمو الأمير فيصل بن بندر بن عبد العزيز. مصادفة جميلة أن تكون أول أيام زيارتي متصادفة مع زيارة الشاعر العربي الكبير عنترة بن شداد العبسي، وإن كان الوقت لم يسعفني لحضور هذه الأمسيات التي سمعت عن تاريخ جال في أروقة نادي القصيم الأدبي أثرى الساحة، وسجل للمكتبة السعودية إنجازاً يشكر عليه هذا النادي المتميز. بريدة وعنيزة وعيون الجواء والرس كانت محطات أربع تعرفت خلالها على هذه الأرض وهذا الإنسان عن قرب، وعرفت من هؤلاء العلماء والأدباء والفضلاء من أهل المنطقة الكثير من المعارف التي تنقصني عن هذه المنطقة الزاخرة بالتاريخ العربي والإسلامي.. من أفواههم تذكرت معارك وشعراً وعشقاً وحباً تليداً، كانت أرض القصيم له مكاناً، بل إن القرآن الكريم ذكر بعضا من أرض القصيم. في القصيم يتمثل لك العشق والحب من هؤلاء الرجال لهذه المنطقة في لوحة من أجمل لوحات الوفاء والفداء للوطن.. في القصيم سمعت عن بذل وتضحية من أجل رقي المنطقة. بل لقد قال لي رجل من أهلها إنني عندما أرى مشروعاً ينفذ فإنني أتابع مراحل تنفيذه أولاً بأول وكأنني معني بذلك، وهذا بالطبع منطلق وطني غاية في التميز. في القصيم قابلت رجلاً يؤسس لقناة فضائية باسم (القصيم) أدهشني بحبه لأن تظهر منطقته إعلامياً بالمظهر الذي يشرف أهلها، ولذا قام بتأسيس هذه القناة التي- وكما يقول- لا يريد أن يكسب منها وليس هو في حاجة لذلك، ولكن كل هدفه أن تكون هذه القناة قناة القصيم بحق، تنقل للعالم كله الصورة الحقيقية عن هذه الأرض وهذا الإنسان وهذه الحضارة. معلومة كانت غائبة عني، وهي أن محافظة الرس بمدنها وقراها تمثل ما يقارب ثلث المنطقة.. وهذا يعني أن الضغط كبير على هذه المحافظة، مما يستوجب دعمها لتكون في مصاف المحافظات المماثلة، خاصة إذا علمنا بأن الرس من المناطق الموغلة في القدم، ومر عليها كثير من مشاهير العرب، بل ووقع حولها الكثير من المعارك التاريخية، وورد ذكرها في القرآن الكريم كما ذهب إلى ذلك بعض المفسرين، في قوله تعالى: {وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا}وفي قوله تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَأَصْحَابُ الرَّسِّ وَثَمُودُ}مما يعني أننا أمام تاريخ عظيم لهذه المنطقة. أيام جميلة قضيتها في ربوع هذه المنطقة، بأرضها وتاريخها ورجالها، وإنها دعوة أوجهها لكل مواطن يعرف هذه المنطقة باسمها ولذيذ تمرها أن يتوج ذلك بجولة حرة لكل مدنها ومحافظاتها الزاخرة بالتاريخ العظيم والطبيعة الصحراوية الجميلة. ولي معكم عودة -بإذن الله- ومحافظات أخرى أستكمل التجوال بها، وحديث ماتع آخر حولها.