الحراك التنموي والاقتصادي والثقافي في وطننا ليس مقصوراً على منطقة دون أخرى، أو محافظة بعيدة أو قريبة، بل إن «مطر منظومتنا التنموية» شامل كل جزء من هذا الوطن. قبل أيام سعدت مع «رفقة يسعد بهم مرافقهم» بزيارة إلى محافظة الرس استجابة لدعوة كريمة من مركز «رؤية للدراسات الاجتماعية بالرس». وقد بدأت الجولة بزيارة وجلسة مع سمو أمير منطقة القصيم الأمير فيصل بن بندر في مبنى الإمارة ببريدة الذي يحس من يلتقي بسموه ويتحاور معه بوعيه ومتابعته لكل ما يهم أبناء وطنه، ومنطقة القصيم تحديداً سواء بالشأن الاجتماعي أو الثقافي أو الاقتصادي، فضلاً عن أن سموه قارئ ومثقف في المشهد الإعلامي والثقافي، ولكم سعدت وأسعد بما أسمع من سموه من رؤى حول بعض إسهامات كاتب هذه السطور.. لقد ظللنا أعضاء اللجنة الاجتماعية والأسرة والشباب زهاء ساعة في حوار صريح وجميل حول قضايا المجتمع وشؤون الشباب، وبحضور مدير عام الشؤون الاجتماعية بمنطقة القصيم د. فهد المطلق، ثم ختمنا الحوار معه بالحديث عن المبادرة التي قام بها مجلس منطقة القصيم بعقد جلسته في رحاب جامعة القصيم، وبحضور طلابها وشبابها، وكم كان الأمير فيصل متوشِّحاً بالفرح، وهو يتحدث عن هذا اللقاء، وسعادته بلقاء الشباب والاستماع إلى مشاكلهم والتفاعل معها والعمل على حلها حتى إنه جلس معهم على مائدة الغداء، وهذه الخطوة بالذهاب إلى الشباب في مواقعهم وعقد اجتماع المنطقة في رحابهم ومشاركتهم بهذا الاجتماع خطوة رائدة، وكم أتمنى أن تأخذ بها مجالس المناطق بالمملكة. أتوقف هنا عند النشاط الاجتماعي الأهلي الذي بهرنا بمحافظة الرس، والذي جسَّده «مركز رؤية للدراسات الاجتماعية» الذي أنشأه وأقامه أخونا الفاضل الدكتور الشيخ إبراهيم بن عبد الله الدويِّش، ومعه ثلة من محبي الخير والعطاء، وفي مقدمتهم أمناء مجلس المركز ومَنْ دعمَ إنشاءه مادياً ومعنوياً حتى استوى على سوقه، وقد سعدنا عندما رأينا الأعمال الرائدة التي قام بها المركز رغم إمكاناته المادية البسيطة ورغم ما يواجههم من بعض المشاكل الإدارية إلا أن المنجز كان كبيراً، فقد عرفنا كثيراً من مشاركاته الاجتماعية وندواته الموفقة واطلعنا على تلك الدراسات عن الظواهر الاجتماعية التي جاءت بشكل علمي مدعم بالأرقام والمعلومة، وكم نتمنى أن تتم استفادة الجهات الحكومية والأهلية منها، ولقد شدّنا هذا المركز تحديداً بمنجزاته البحثية الاجتماعية وبمبناه الأنيق وبحماس وعطاء منسوبيه، إنه أنموذج لمراكز الدراسات الاجتماعية، ولعل المبهج تفاعل أبناء منطقة القصيم ومحافظة الرس بخاصة مع مناشطه، حيث رأينا الحضور الكبير والتفاعل الرائع مع مناشطه، وقد حضر الندوة التي نظمها المركز مع أعضاء اللجنة الاجتماعية والأسرة والشباب نخبة كبيرة من أبناء المنطقة تقدمهم معالي مدير جامعة القصيم د. خالد الحمودي، ومحافظ الرس أ - منصور العساف، والأديب الأستاذ - حسن الهويمل وغيرهم من المثقفين والمهتمين بالنشاط الاجتماعي بمحافظة الرس ومن أبناء منطقة القصيم. وفي نهار الغد زرنا مرة أخرى مركز رؤية وكان هناك جلسة.. «عصف فكري واجتماعي» بين الزملاء من أعضاء اللجنة الاجتماعية بالمجلس والإخوة بالمركز مُمثَّلاً بأمينه العام وبعض أعضاء مجلس الأمناء.. وقد تبادلنا الكثير من الأفكار لتفصيل دور هذا المركز والإفادة من دراساته في رصد الحراك الاجتماعي ومعالجة القضايا والمشكلات الاجتماعية التي تنتج عن معطيات المدنية ومتغيرات العصر، وكم كان حديث أخينا د. إبراهيم الدويش مؤثراً وهو يكشف - بحرقة - عن معاناة المركز وهو ينهض بدوره الريادي الاجتماعي وما يواجهه من عقبات سواء مادية أو قلة الباحثين فضلاً عن المشكلات البيروقراطية من بعض الجهات الحكومية، وكم كانت «دمعة» حبيبنا أبي عبد الله بالغة التأثير هو يتحدث - بألم وغِيرة - عن بعض ما يلاقيه المركز مما يكاد أن يوقف نشاطه الاجتماعي المميز، وإنني - بأمل كبير -لاستشرف أن يتم دعم هذا المركز المبدع من الحكومة ورجال الأعمال. خلال زيارتنا «للرس» رأينا فيها من المنجزات الحكومية ما يتناغم ومنجزات رجال الأعمال لتطوير محافظتهم، والمطلوب المزيد من إسهامات رجال الأعمال من هذه المحافظة سواء المقيمين فيها أو الساكنين خارجها، أما أهالي الرس فهم كما عرفتهم - جيراناً وزملاء وأصدقاء - بسماحة تعاملهم وكرمهم وحسن معشرهم، ولقد زرنا منزل الوجيه الكبير والمحسن الشيخ صالح الحناكي- رحمه الله - الذي أشرع قصره وقلبه طوال وجوده في هذه الدنيا لضيوف الرس وأبنائها ونادراً ما تجد مشروعاً خيرياً بالرس إلا وقد أسهم به أو أقامه على حسابه، والجميل أن أبناءه الأخيار مطلق وعبد الرحمن وإخوانهم ساروا على نهجه سخاءً وإسهاماً. وأخيراً من الأمور المبهجة في الرس: عناية واهتمام أبناء الرس بالتراث والاحتفاء به، لقد رأيت بزيارة سابقة متحف الصديق الشاعر والمرشد السياحي أ - صالح بن محمد المزروع، وفي الزيارة الأخيرة سعدت مع الزملاء بزيارة صباحية دافئة كدفء قلوب أهلها.. لقد كانت الزيارة «للبيت النجدي» الذي استقبلنا صاحبه أ - سليمان «بثوبه المرودن» وتجوّل بنا بين غرف البيت الذي أُنشئ على الطراز الطيني القديم، وقد وضع فيه كل ما كان يستخدمه الرجال والنساء في ذلك الزمن، وتوقفنا عند «غرفة النوم» القديمة وما تستخدمه المرأة لزينتها من ملابس متواضعة، ومن بخور، وكحل، أينها الآن من أطنان «المكاييج» التي تستخدمها نساء هذا العصر، وصدق المتنبي: «حسن الحضارة مجلوب بتطرية وفي البداوة حسن غير مجلوب» وقد كانت لنا جلسة أخّاذة في «قهوة هذا البيت» وتذوقنا من أصناف «القهوة الثمانية» التي يعدها ويصبّها صاحب البيت، وقد ذكرتنا هذه الحفاوة «بالقهوة العربية» وحفاوة الشاعر الكبير محمد العبد الله القاضي - رحمه الله - وقصيدته الشهيرة بالقهوة وتذاكرنا بعض أبياتها. تحية لأهالي الرس - أرضاً ومحافظاً وإنساناً -. [email protected] فاكس: 4565576