عبد الرحمن الراشد * نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية قرأت مقال الزميل الأستاذ تركي السديري في صحيفة الرياض أمس الذي ناقش فيه اعتراضات أحد أعضاء مجلس كبار العلماء في السعودية على أن تدرس الطالبات مع الطلبة. وقضية السماح بالتعليم المشترك قضية تزداد تعقيدا في المملكة، كونها البلد الإسلامي الوحيد في العالم الذي يمنع ذلك بشكل كامل من الطفولة إلى الكهولة، والسبب يبدو لي إصرارا على التحصن وراء مواقف لم تناقش أبدا، مثل منع المرأة من قيادة السيارة، التي هي أيضا الوحيدة في العالم بالمنع. ولو كان المبدأ هو السبب لما صار التلفزيون الوسيلة الأكثر استخداما من قبل رجال الدين في التواصل مع الناس بعد أن كان يعتبر مرفوضا. والذي يعرف تاريخ السعودية يدرك طبيعة المجتمع القبلي وانتقالاته التدريجية جدا، وفي بعض الحالات كان التغيير مفروضا من فوق عندما فتحت الحكومة مدارس للبنات، رغما عن الاعتراضات الشديدة آنذاك. والنقطة التي أثارها الأستاذ تركي سليمة من أن التعلل بإسلامية المجتمع السعودي لا ينسجم مع منطق أن السعودية لا تمثل إلا خمسة في المائة من العالم الإسلامي الذي يسمح كله للمرأة بما يمنع عليها في المملكة. وسبق لي أن زرت الجامعة الإسلامية في ماليزيا، البلد الذي يفاخر بنجاحاته الإسلاميون ويعتبرونه مثلا لهم، هناك رأيت الدراسة فيها مختلطة في جميع الفصول، إلا في كافتيريا الجامعة، حيث المكان واحد للجنسين إلا أنه مفصول في توزيع الطاولات فقط. وهذه جامعة متخصصة في تدريس العلوم الإسلامية يقوم عليها علماء مسلمون وليست جامعة مدنية عامة. نحن نعلم علم اليقين أن كل هذه الممنوعات غير المبررة ستتغير مستقبلا، كما أجيز تعليم البنات وأدخل الهاتف وسمح للإذاعة والتلفزيون، وغيرها من التراجعات البارزة، إنما لماذا الإصرار على تأجيل الزمن وتعطيل المجتمع في حين يستطيع أن يفعلها اليوم. فالتراكم الهائل للخريجات اللاتي لا يجدن وظائف بسبب المنع سيوصلنا بالتأكيد إلى مراجعة منطق المنع والبحث في مخارج شرعية لإجازته. وشعوري أن المنع ليس عن قناعة، بل رفض للرفض ذاته، يعبر عن حالة شك في النوايا، وخوف غير مبرر بأن هناك أعداء يقفون لنا بالمرصاد يريدون فتح المجتمع وتخريبه. وإن كان هذا التفكير صحيحا فأنا أظن أنه أمر جيد لأن الخلاف ليس على الأصول بل على النوايا. ومثل هذا الخلاف يستوجب الحوار حتى يفرغ الخائفون والمتشككون في النوايا كل ما في صدورهم، ويتدارسون في حلول عملية تطمئنهم ولا تعطل مسيرة البلاد أو تحاصر نصف المجتمع. الوقوف في المكان نفسه يزيد الأمر إشكالا، ويدفع في النهاية باتجاه الحلول الخاطئة. ولا يعقل أن المجتمع السعودي يردد اليوم بافتخار قصص الفتيات البارزات عالميا في مجالات صعبة مثل الطب، كما رأينا في حالة الدكتورة غادة المطيري التي استحقت باختراعها تقدير المجتمع الطبي الدولي، أو الدكتورة حياة سندي المتخصصة في التقنية الحيوية التي أهّلها اختراعها للانضمام إلى واحدة من أهم المنظمات العلمية، يتداول أخبار هذه النماذج الناجحة وفي الوقت نفسه يحرمهن من الفرص المعيشية والمشاركة البسيطة في مجتمعهن.