إكمالاً لموضوع الأسبوع الماضي حول الأحداث الهامة التي أثرت في تنظيم القاعدة في المملكة العربية السعودية فقد ذكرت أربعة أحداث مفصلية في التاريخ الفكري للتنظيم سوف أفصل القول فيها، ولعلي أبدأ من الحدث الأخير والرابع وهو محاولة الاغتيال الفاشلة لسمو مساعد وزير الداخلية الأمير محمد بن نايف كونها الأخيرة وحديث الساعة. وبالعودة إلى تاريخ الاغتيالات السياسية للجماعات الإسلامية نجد عملية اغتيال النقراشي باشا أو محمود فهمي النقراشي رئيس الوزراء المصري الذي اغتيل على يد عبدالحميد أحمد حسن والذي كان دافعه هو قرار النقراشي باشا بحل جماعة الإخوان المسلمين والتي رأى فيها البعض خيانة عظمى للدين والأمة. تقول الحادثة: إنه دخل ضابط بوليس برتبة ملازم أول صالة وزارة الداخلية في الطابق الأول فأدى له حراس الوزارة التحية العسكرية وأخذ يقطع الوقت بالسير البطيء في صالة الوزارة كأنه ينتظر شيئا وعندما أحس بقرب وصول دولة النقراشي باشا اتجه نحو الأسانسير(المصعد) ووقف بجانبه الأيمن وفي تمام العاشرة وخمس دقائق حضر النقراشي باشا ونزل من سيارته محاطا بحرسه الخاص واتجه للأسانسير(المصعد) فأدى له هذا الضابط التحية العسكرية فرد عليه مبتسما وعندما أوشك النقراشي على دخول الأسانسير (المصعد) أطلق عليه هذا الضابط ثلاث رصاصات في ظهره فسقط قتيلا، دار بعدها جدل في أن التعليمات التي وجهت للقاتل تنص على قتله من أمامه لكن القاتل ارتبك نتيجة الحراسة المشددة وخشي فوات الفرصة وأطلقها في خلفه! تلى ذلك اغتيال الرئيس المصري أنور السادات على خلفية إبرام معاهدة مع إسرائيل اعتبرتها الجماعة الإسلامية خيانة عظمى للأمة. أصدر عمر عبدالرحمن فتواه بالاغتيال وخطط لها عبود الزمر ونفذها خالد الإسلامبولي فيما عرف لاحقا "حادث المنصة" كان خلال عرض عسكري أقيم في 6 أكتوبر 1981 احتفالا بالانتصار الذي تحقق خلال حرب أكتوبر. قبل اغتيال السادات كان هناك حادثة اغتيال خطيرة مهدت لاغتيال السادات بمعنى أنها كانت بمثابة فتوى مقدمة لاغتيال السادات وغيره وهي حادثة اختطاف واغتيال العالم والوزير الإمام الدكتور محمد حسين الذهبي (1915 - 1977) العالم المفسر ووزير الأوقاف المصري والذي كانت الجماعة المسلمة أو (جماعة التكفير والهجرة) الاسم الأكثر شهرة لها هي من قام بالعملية والتي استهدفت شخصية دينية وعلمية مرموقة في الشارع المصري واختطفته من بيته قبل أن تعلن اغتياله. هذه الأحداث الثلاثة الماضية لم تكن وليدة تفكير شخصي ولا ردة فعل بل نتيجة تدرج فكري في هذه الجماعات في مفهوم الاغتيال والقتل غيلة وهو مفهوم حاولت هذه الجماعات إضفاء الشرعية عليه من نصوص السنة من خلال اختزال للنص وحرفية في الاستدلال. أعود إلى عملية الاغتيال الفاشلة التي حاولت القاعدة في الجزيرة العربية أن تكون مفصلاً في عمليتها التي بدأتها في المملكة العربية السعودية منذ تفجيرات المحيا 2003، وفي كل مرة تقوم فيها القاعدة بعملية نوعية تحتاج فيها أولاً إلى فتوى شرعية من قبل قياداتها الشرعية والتي غالبا ما تفتي لها بعمليات من هذا النوع، بعد ذلك تأتي مرحلة التخطيط والتي يفترض فيها أن تكون محكمة وغير قابلة للخطأ، لأن عمليات الاغتيال أي خطأ فيها يمكن أن يودي بالتنظيم بأكمله كما حدث في عمليات الاغتيال السابقة الذكر، ولأن مرحلة التخطيط لعمليات من هذا النوع تحتاج إلى سرية تامة وفترة زمنية ليست بالقصيرة لاسيما في ظل ظروف أمنية محكمة كالتي تعيشها السعودية، فالخيارات محدودة ما يجعل إمكانية الاستعانة بجهات استخباراتية ذات مصلحة أمراً غير مستبعد ولاسيما أن العملية التي تمت فيها المحاولة غير تقليدية وبتقنية عالية وتم تنفيذها بنجاح لولا عناية الله. من هذا العرض يتضح أن هناك دائرة جديدة من دوائر الإرهاب فتحت بشكل واسع تتطلب الكثير من الحذر مع المزيد من القرارات الاستراتيجية الحاسمة التي تجلى جزء منها في تصريحات سمو النائب الثاني وزير الداخلية في المُضي في برنامج العفو وإعادة التأهيل الذي كان أحد أسباب استهداف الأمير محمد بن نايف، بالإضافة إلى كون إلغائه أحد أهداف القاعدة التي أحرجها هذا البرنامج، فعودة شخص من التنظيم يشكل خسارة معنوية فادحة بالإضافة إلى الخسارة الحسية وهو ما جعل التنظيم يفكر في عملية بهذا الحجم تعيد له بعض الكاريزما التي فقدها من خلال تراجع الرجل الثالث في قيادته الجديدة محمد العوفي.