عبدالله المغلوث - الوطن امتلأ محمد بهجة الأسبوع الماضي. ودع تكشيرته التي تقطع الخميرة من البيت. وزع ابتسامات لا حصر لها كأنه عريس حديث. سأله أحد الأصدقاء عن سر السعادة التي اجتاحته دون مقدمات. فأجاب بإصبعه. أشار بسبابته السمينة السمراء، التي تشبه "الكبة"، باتجاه إعلان منشور في إحدى صحفنا المحلية يتصدره عنوان عن عسل يقضي على الربو والسعال. فمحمد بات يؤمن أن هذا العسل سيقضي على مرضه الصدري المزمن بسرعة قياسية. فقد وعدته الشركة، عبر مكالمة هاتفية، أن تعيد له قيمة العسل، الذي يبلغ سعره 170 ريالاً، إذا لم يتخلص من الربو خلال شهر من تاريخ تناوله. الإعلان الذي أدخل السعادة إلى قلب وصدر وإصبع محمد يحمل أيضاً حلولا رخيصة بوسعها أن تشيع الفرح في نفوس الملايين ليس في المملكة فحسب بل في العالم بأسره. فالإعلان يتحدث عن توافر كريم شد وتكبير الأرداف ب330 ريالاً. وكريم لشد وتصغير الأرداف ب240 ريالاً. وكريم شد وتكبير الصدر ب320 ريالاً. وكريم شد وتصغير الصدر ب320 ريالاً. وبودرة لتبييض البشرة وتفتيحها ب210 ريالات. وكريم لإزالة السواد من المناطق الحساسة والإبطين ب180 ريالاً. وكريم لإزالة الحبوب والنمش والكلف وحب الشباب ب180 ريالاً. وليس ذلك فحسب. فالشركة تفخر بإنتاجها زيتا لتطويل الشعر وتنعيمه وإزالة التكاسير ب155 ريالاً. وزيت خاص للصلع وإنبات الشعر ب199 ريالاً. وزيت لفرد الشعر المجعد والمتقصف ب125 ريالاً. وزيت لعلاج الروماتيزم (آلام المفاصل وآلام الظهر) ب99 ريالاً فقط. وبطبيعة الحال لن يكتمل الفتح المبين للشركة المنتجة دون أن تزف لنا بشرى امتلاكها لعسل يعالج الضعف الجنسي للرجال والنساء على حد سواء ب210 ريالات. وأيضا، اكتشافها لعسل لتسمين الوجوه النحيلة ب245 ريالاً. إن هذه الشركة التي تزعم حيازتها لهذه المنتجات السحرية وفق إعلانها الممهور برقم ترخيص مبهم لا نعلم من أين استخرجته، ربما ستسوق مستقبلا عقاقير تطرد الإيدز والتهاب الكبد الوبائي والسرطان من الأبدان. فهي بإعلاناتها الغزيرة تلك كأنها تمد لسانها نحونا. تبيع الوهم علينا ببجاحة، مستغلة صمت وزارة الصحة، وهيئة الدواء والغذاء، وهيئة حماية المستهلك، التي نسمع عنها ولا نراها! فالسكوت عن هذه الإعلانات يعد "جريمة أخلاقية" كما يقول الناشط الكندي في مجال حماية المستهلك، كالي ليزن. فهو يعتبر هذه الإعلانات"أشد السموم فتكا بالعقل والجسد". فقد رفع ليزن وحده نحو 20 ألف قضية على مئات الشركات التي تروج لمنتجات"مشبوهة" على حد وصفه. كما ألف كتبا وشركة تناهض المنتجات المغشوشة، ساهمت بدورها في انخفاض هذه النوعية من الإعلانات، التي تسببت في إصابة العديد من مستخدميها بأمراض وأعراض جانبية متفاوتة. ومن جانبها أصدرت وزارة الصحة في هونج كونج الأسبوع الماضي تحذيراً مدويا بعد أن أدخلت امرأة (58 عاما) المستشفى متأثرة بإصابتها بتسمم زئبقي عقب استخدام كريم غير مناسب. وكانت المرأة قد شعرت بالإعياء في يوليو الماضي مع إحساس بالصداع والدوار وارتجاف في أطرافها لدى استخدامها الكريم مرتين يوميا لمدة شهر. فقد أصيبت المرأة بحالة تسمم نتيجة استخدامها كريماً للوجه تزيد نسبة الزئبق فيه ب43 ألف مرة عن الحد المسموح به، ووجهت لها نصائح بعدم استخدام كريمات للوجه ثانية. أما نحن فماذا عسانا فاعلين إزاء هذه الفوضى العارمة التي تغزونا. تتحرك سائر دول العالم لوقف هذه الإعلانات وإعدام الكريمات والزيوت غير المرخصة ومعاقبة أربابها في حين نكتفي بالتعليق على هذه الأخبار ومواساة أبطالها عن بعد. أكاد أجزم أن بيننا آلاف الضحايا الذين تعرضوا للاحتيال من قبل شركات وجدت في أسواقنا ووسائل إعلامنا مرتعا خصبا للتلاعب والضحك على الذقون في ظل عدم وجود مؤسسات تردعهم وتحمينا. قبل شهرين بعث لي الأخ الكريم عمر محمد الشيخ رسالة إلكترونية يروي من خلالها الأذى، الذي تعرضت له ابنته نبيلة بسبب استخدامها لكريم لمعالجة حبوب الشباب، تعرفت عليه عن طريق إعلان تجاري. فقد أدى استعمالها لهذا الكريم، على حد قوله، إلى تغير لون وجهها. يقول والألم يفيض من حرفه"أصبح وجه ابنتي مليئاً بالبقع والندوب. أضحت انطوائية، ولا ترغب الخروج من غرفتها". أكثر ما أخشاه، أن تصبح وجوهنا كلها مثل وجه نبيلة. مليئة بالبقع والحزن. ونفقد الرغبة في الخروج والفرح. والبركة في كريمات التبييض والتسمين والترقيع التي يلاحقنا بها اللصوص والمحتالون والدجالون كهراوات ونحن نضحك ونكركر!