شتيوي الغيثي - الوطن السعودية من سنوات كثر الحديث حول تأثير الخطاب التغريبي وخطره على الكيان، وقد تعزز الحديث حوله في الآونة الأخيرة أيضاً، على اعتبار أن لدينا تطرفين: التطرف الديني أو الغلو في الدين كما هو تعبير ممثلي الخطابات الدينية، وإذا كنت شخصياً أفهم المراد حول التطرف الديني على أنه تشدد في الدين وتطرف يصل حد المفاصلة للكيان كله، والذي وصل به الحال إلى تبني عمليات جهادية أو تفجيرية تجاه البلد: مجتمعاً ودولة. إذا كنت أفهم هذا التطرف فإنني حتى الآن لم أفهم "المبالغة" في الحديث حول التطرف التغريبي، وأقول: "المبالغة" لأني لم أجد تحديداً واضحاً كما لدى التطرف الديني إلا كلاماً حول خطورته، ولا أعلم نوعية هذا الخطورة حتى الآن. وإذا ما أدرنا المقارنة بين التطرفين: الديني والتغريبي فإننا سنجد أن المبالغة واضحة جداً هنا حول التطرف التغريبي بالمقارنة مع التطرف الديني؛ إذ إن الحد الذي وصل له تطرف الخطاب الديني أو تشدده لدى الأصوليات الإسلامية الحركية من مفاصلة سياسية تجاه البلد كاملاً حتى راح ضحيتها الكثير من الناس دون أدنى ذنب، ونُسفت مبان حكومية عديدة، وطارد رجال الأمن العديد من مخططي هذه العمليات ومنفذيها، وقبضت الدولة على الكثير منهم، وطالبت بالقبض على بعضهم الآخر وأعلنت مؤخرا عن محاكمة عدد كبير منهم، مما يعني أن الحديث حول التطرف الديني وخطره على البلد كان مشروعاً ولا يزال حتى الآن كنوع من تفكيك هذا الخطاب حتى لايتأثر البقية من شبابنا بهذا الفكر المتطرف، على كل هذا الهدوء الذي نشهده حالياً، بسبب نجاح الدولة في القضاء على عملياتهم. في مقابل ذلك نسمع الحديث حول خطر التغريبيين على البلد دون أن نرى شيئا يمكن الركون إليه لمثل هذه التحذيرات، بمعنى أننا لم نشهد نوعاً من المفاصلة ضد الدولة أو ضد المجتمع كما حصل لدى المتطرفين في الخطاب الديني، مما يعني أن الحديث حول التغريب برأيي مبالغ فيه جداً لأنه حديث حول عموميات كبيرة ومُضخَّمة لا نستطيع الركون إليها، وأقرب إلى الرؤية الوعظية منها إلى الرؤية الفكرية، إلا إذا كان الحديث عن تقدم الغرب فيه خطورة على البلد، فهذا شيء آخر لا أفهم منه كل هذا التحذير الذي يقولون من التغريبيين كون التقدم الغربي معروف ولا يحتاج منا تأكيده مهما كانت رؤيتنا التفصيلية عن نوعيته، أو مهما كان موقفنا منه والعدل يفترض فينا قول ذلك لأنه واقع ومشهود؛ بل نعيش تجلياته التقنية والحضارية في أدق تفاصيل حياتنا اليومية وتمظهراته على الواقع المتعين إلا إذا كان الفصل جائزاً بين المنجز بفتح الجيم عن المنجز بكسر الجيم وجواز الفصل هذا يحتاج إلى برهان عقلي وعملي، وبرأيي أن الفصل هنا هو أحد إشكالياتنا الثقافية والمعرفية والتي جعلت المنجز مفصولا عن سياقاته الثقافية حتى أصبحنا عاجزين عن تدارك هذا المنجز التقني على أقل تقدير؛ لأن الفصل السياقي يقود بنا إلى نوع من الضبابية والضبابية في القيمة الثقافية التي يمنحنا إياها المنجز التقني أو الحضاري. والحديث حول التغريب والتحذير من خطره يقود بنا إلى الحديث حول الخطاب التغريبي الداخلي إذا كان هناك خطاب تغريبي كون الحديث كان داخلي المنشأ مما يعني أن محاولة البحث في هذه الرؤية تحتاج بنا إلى التنقيب الفكري حول إشكاليات هذا الطرح لنعرف مدى تماسكه الفكري. ويكمن التساؤل الأولي هنا حول: هل لدينا خطاب تغريبي؟ والسؤال يحتاج إلى نوع من التأصيل لفرضية هذا الوجود، أعني التأصيل لوجود التطرف التغريبي. الإشكالية هنا تعود بنا إلى منشأ فكرة التغريب من الأساس وهي فكرة سياسية كما قلت في المقال السابق أعني أنها جاءت وفق السياق الذي تم التعرف به على الآخر الغربي أيام الاستعمار مما استوجب ذهنية المقاومة والنضال ضد الآخر الغربي مع الرؤى القومية والأصولية، ومع انتقال بعض الأصوليات الإسلامية من حراكها الخارجي إلى حراكها الداخلي انتقلت الفكرة ذاتها إلى الذهنية السعودية من غير أن يصطدم الوجدان السعودي بالاستعمار بل بالعكس كان الاتصال مع الآخر الغربي في السعودية إيجابياً من خلال المشروع الضخم الذي استفاد منه المجتمع السعودي متمثلاً بشركة أرامكو المعروفة. من جانب آخر كانت فكرة التغريب ردة فعل أيضاً إبان النقد الجذري العميق تجاه التطرف الديني من قبل الكثير من المثقفين والكتاب مما يجعل تهمة التغريب تدور في السياق السجالي الأيديولوجي أكثر منه تأصيلاً فكرياً أو نقداً ثقافياً. ومن هنا نعود إلى سؤالنا الأصلي: هل لدينا خطاب تغريبي؟ يفترض هذا السؤال أن الخطاب التغريبي كما هي التهمة المناصة ضده أن هذا الخطاب يسعى إلى جعل المجتمع السعودي غربيا بالجملة وهي تهمة مبالغ فيها في رأيي إلى درجة عالية مما يجعل هلاميتها أكثر من حقيقتها لأنها تفترض أن هؤلاء التغريبيين أنما يعملون على تحقيق أجندة سياسية غربية وهذه رؤية تخوينية في حين لا نجد ذلك لدى مثقفينا بالجملة، ثم إن الدولة نفسها تبعث الكثير من أبنائها للدراسة في الغرب مما يعني أن الدولة ذاتها تريد الاستفادة مما لدى الآخر الغربي مع معرفة الدولة بالمنهجيات الغربية كلها ومدى ملاءمتها للوضع السعودي مما يعني أن التهمة إنما هي تهمة سجالية لا غير. ثم إن الكثير من المثقفين السعوديين يفصلون بين الغرب كحضارة وثقافة وبين الغرب كسياسة لمدى وعيهم بإشكاليات هذه عن الآخر إلا إذا كان كانت هناك مشكلة مع المشروع الحضاري الغربي لدى مجتمعنا وهذه مشكلة أخرى تفترض جدلية أخرى وهي الرؤية لتقدم والتأخر، كما أنها تصدق التهمة أن المشكلة لدى الخطاب الديني لدينا هو مع الحضارة وليس مع السياسة الغربية المجحفة مما يعني أن الخطابات الأصولية تريد العودة بالمجتمع إلى الوراء كون التقدم الفكري والثقافي يقف عائقاً تجاه مكتسباتها السياسية لذلك لابد من ضرب كامل المشروع الغربي ثقافة وحضارة. إذاً تعود القضية من جديد إلى إطارها السياسي، وليس إطارها الثقافي، وهذا ما يجعلني لا أرى خطاباً تغريبياً متطرفا كما هو القول المبالغ فيه.