كانت لا تزال طالبة حين كان يتقدم لها الخطاب، وكان حلمها أن ترى نفسها يوما ما وهي موظفة كبيرة، وكلما تقدم شخص لخطبتها رفضته مع أنه كان يحرك بداخلها صراعا بين الرغبة في إكمال الدراسة والرغبة في الزواج، وفي معظم الحالات كان قرارها إكمال الدراسة، والعريس الأخير أقنعها بمواصفاته وجعلها تقبل به، على أن تكمل دراستها، تزوجا قبيل التخرج بقليل، وبدأت مع زوجها رحلة الزواج والعمل، التي أقل ما يقال عنها أنها رحلة عذاب، يخرجان من الصباح معا، يوصلها زوجها إلى عملها، ويعود إلى عمله، ويبقى حتى المساء، حيث ينهي عمله ليأخذها ويعودا معا إلى البيت، واعتقد الزوج أنه سيسهل الأمر عليها حين لا يلزمها بتهيئة الطعام، تصلي المغرب وتنام، وتستيقظ قبيل منتصف الليل لتؤدي صلاة العشاء، وتجلس ساعة من زمن ثم تنام لتستيقظ صباحا وتعيد الكرة في اليوم التالي بالطريقة نفسها. وفي نهاية الأسبوع تجد نفسها مضطرة لتلبية دعوة أمها خشية غضبها، مضى عام على هذا الحال وهو يرى ويسمع ويتألم ويصبر، حتى ضاق ضرعا بما يجري، وطوال الفترة يصرح ويلمح بضيقه من نمط الحياة الذي يعيشه دون جدوى، وفي كل مرة كانت تعتذر له بأنها غير قادرة على التخلي عن النوم، صار زبونا دائما لمطاعم معينة فزاد وزنه، وزاد نومها، لاحظ من حوله أنه لم يعد هادئا كما كان في بداية زواجه، أعربت له أكثر من مرة عن رغبتها في السفر لإكمال دراستها، ومع أنه كان راغبا في مرافقتها إلا أنه كان يتساءل هل ستتمكن من الجمع بين الدراسة ومسؤوليات زوجها؟ وهل ستستطيع المحافظة على زوجها وهي المقصرة تماما في واجباته وواجبات بيتها؟ تطورت الأمور بينهما نحو الأسوأ بسرعة مذهلة، وشعر الزوج بأن زوجته فهمت تنازلاته بطريقة خاطئة، لأن ما يتنازل عنه صار في عرفها حقا مكتسبا لها، وأن عليه أن يستمر في التخلي عن حقوقه، مع إقرارها بأنه يؤدي واجباته نحوها على أكمل وجه. هذه واحدة من حالات كثيرة باتت منتشرة في الحياة اليومية وبالتحديد في الزيجات الجديدة، وهي تثير العديد من التساؤلات: هل عمل المرأة في إطار الحياة الإسلامية أكثر أهمية من تحقيق سعادة الزوج والأولاد؟ وهل المهم أن تحقق بناتنا النجاح في مجال العمل وليس مهما أن يفشلن في مجال الحياة الزوجية؟ هل كل فتاة قادرة على تحقيق التوازن بين العمل والمنزل؟ هل تحتاج مثل هذه الفتاة المزيد من التدريب على التوازن بين عملها ومنزلها؟ هل يفضل أن ندعم بناتنا كي ينجحن في دراستهن ونهمل نجاحهن في مجال حياتهن الزوجية؟ وهل اللقمة التي تعدها الزوجة ذات معنى في حياة الزوج وتعني له أن زوجته تقدره وتحترمه؟ أم أن القضية لا تعدو أن تكون لقمة تملأ المعدة بغض النظر عن مصدرها؟ وهل باتت مثل هذه الحالات كثيرة إلى الحد الذي نحتاج فيه إلى التفكير مليا في إرشاد هؤلاء الفتيات إلى المسلك الصحيح كي لا تدمر حياتهن؟ أم أن الأمر ينبغي أن يدفعنا لإقناع شرائح الأزواج الشباب بأن يحافظوا على زوجاتهم بغض النظر عن درجة تقصيرهن في واجباتهن المنزلية والزوجية؟ وهل يمكن أن تكون تصرفات أمثال هؤلاء الزوجات هي المقدمة الطبيعية للخلافات التي تنتهي بالطلاق؟ وهل لم يعد مهما إن حدث الطلاق طالما أن الفتاة ناجحة في عملها؟ وهل يستطيع العمل أن يحقق للفتاة كل الإشباعات النفسية والعضوية المطلوبة وصار الزوج من الكماليات؟ وحين تكبر الفتاة ولا تتزوج أو تطلق هل يمكن لآلاف الريالات التي تحصل عليها من عملها أن تعوضها عن الحياة الزوجية الهانئة والمستقرة؟