هناك شرائح وتجمعات تمثل «الترمومتر» لقياس ردة فعل المجتمع للأحداث والقضايا التي تمسه بشكل مباشر، وليس شرطا أن تكون ردة الفعل منطقية أو عقلانية وإنما تصطبغ في الغالب بالتعبيرات الشعبية العامة التي تتراوح بين السخط والرضا ولاتتجاوز محيط المجلس الذي أطلقت فيه. في عام 2006 اقتنيت كتابا عنوانه «تاكسي» لخالد الخميسي الإعلامي والأكاديمي المصري، وماشدني إليه آنذاك عنوانه وغرابة فكرته وبساطة اللغة التي كتبته، إذ يسجل المؤلف تجربة عام كامل تنقل فيها بين سيارات التاكسي المصرية ونقل إلينا جزءا من القصص والحكايات مع السائقين الذين يمثلون برأي المؤلف ترمومتر الشارع المصري، وامتلاكهم لثمانين ألف سيارة تاكسي في القاهرة وحدها. يقول المؤلف مفسرا للعديد من المواقف التي تصادفنا مع سائقي التاكسي : يعملون في مهنة مرهقة بدنيا ووضع الجلوس الدائم يدمر أعمدتهم الفقرية والزحام المستمر ينهكهم نفسيا والجري وراء الرزق يشد ضفائر الكهرباء في أجسادهم للمنتهى، وستجدهم من جميع التخصصات والشرائح العلمية بدءا من الأمي إلى الحاصل على الماجستير، وخبرتهم في الحياة تشكلت لأنهم يعيشون عمليا في الشارع ويلتقون يوميا بمزيج هائل من البشر. عندما تنتهي من الكتاب بعد سرد 55 «حدوتة» تكتشف أن الخطاب لم يكن للمصري بمقدار حمله للقواسم المشتركة التي تشخص الواقع بلغة تهكمية في كثير من المجتمعات العربية، فسائق التاكسي مثل النعجة «دولي» كائن مستنسخ تجده في أي مكان وإن لم يمسك بمقود القيادة، المقاهي والدوائر الحكومية والمجالس والبنوك تغص بألف حدوتة وحدوتة، وتسجل لكل مرتاد تجربة يرى استحقاقها للوصف دون غيرها، لكن من هو الراصد؟. في هذا العام وجدت نفس الكتاب، نفس الغلاف، نفس المضمون... ورقم الطبعة هو المتغير الذي وصل في أقل من ثلاث سنوات إلى 13 طبعة، دفعت بالراحل الدكتور عبدالوهاب المسيري إلى التعليق والقول: المسرح هو التاكسي، منفتح على البلد بأسرها والسائق هو البطل في حيزه الخاص من المسرح يتحدث عن أحلامه وإحباطاته. تلك هي الحياة على وجه التحديد.. مسرح ضخم ولكل حيزه الخاص يمارس دوره بين البهلوان والحكواتي، وبين الكوميديا والتراجيديا، ليغلق الستار في نهاية العرض وتوزع الأرباح، أو كما يقول صاحب التاكسي: «أنا عامل زي السمكة، والتاكسي عامل زي الحوض.. السمكة عمالة تروح وتيجي وحوض السمك سجن صغير، أنا صحيح بلف طول النهار لكن مابشوفش غير التاكسي بس، حدودي هي الشبابيك بتاعة عربيتي... لا مواخذة: سجن مؤبد ونهايته القبر». [email protected]