لم تكن تعرف ناديا "16" عاما خطورة القرار الذي اتخذته هي وشريك حياتها حسن، مهندس الكمبيوتر، بالزواج قبل سنة تقريبا على الرغم من خضوعهما لفحص طبي مسبق أظهر أن كليهما يحملان الجين المورث للمرض , وأنه قد ينتقل إلى أطفالهما مستقبلا. تقول "ناديا" إنها اضطرت حتى الآن إلى الإجهاض مرتين. ذلك لأن الفحص الطبي في مركز الاستشارة الوراثية التابع لوزارة الصحة الذي يقدم المشورة لحاملي المرض بعد ثبوت ذلك بفحص ما قبل الزواج؛ أثبت أن الجنين مصاب بالتلاسيميا – مرض فقر دم وراثي منتشر في حوض البحر المتوسط ناتج عن خلل جيني في المادة الوراثية المسؤولة عن تكوين الهيموغلوبين.
وفي المرتين أصر حسن، 32 عاما، على إلقاء اللوم على زوجته التي أكملت الصف الرابع الابتدائي، متناسيا أنه أصر على زواجها لأنه لم يستطع فراقها وأنه صرخ في وجه الطبيبة المختصة بالاستشارات الوراثية التي حذرته من أن هناك احتمالية 25 في المائة لإصابة الجنين بالتلاسيميا, في حال أن كلا الوالدين يحملان جين المرض. ناديا وحسن من بين 55 ألف واقعة زواج حدثت عام 2007 عندما كان عدد السكان 5.7 مليون نسمة, جميعهم اضطروا إلى إجراء الفحص الطبي الإلزامي المجاني منذ منتصف 2004 بعد أن كان اختياريا لثماني سنوات, وذلك حفاظا على صحة المواطنين من مرض التلاسيميا. وتشكل نسبة الحاملين له في الأردن ما بين 3 و4% من إجمالي السكان – أي قرابة ثلاثة مواطنين من كل مائة شخص، وتبلغ تكاليف علاجه ثمانية ملايين دينار سنويا.
وتشير دراسة أجراها البرنامج الوطني للفحص الإلزامي قبل الزواج, إلى أنه من بين إجمالي واقعات الزواج عام 2007 اكتشفت 86 حالة كان فيها كلا الزوجين حاملين للجين المورث لمرض التلاسيميا. وتشير الدراسة نفسها إلى أن 44 في المائة منهم افترقوا قبل إتمام عقد الزواج, بينما قام الباقي بإتمام إجراءات زواجهم. هذه الأرقام لا تعكس بالضرورة الواقع تماما، لأن هناك بعض الأشخاص يقومون بالتهرب من الفحص الطبي قبل الزواج بطرق قانونية وغير قانونية اتقاء من الوصم الاجتماعي، وخوفا من العنوسة, أو بدافع "الزواج والسترة".
في هذا السياق تشير إحصائية مسح السكان والصحة الأسرية لعام 2007, إلى أن 40% من السيدات اللاتي أجريت عليهن الدراسة أفدن بوجود صلة قربى بينهن وبين أزواجهن الحاليين. وتشير البيانات إلى أن 5% من الزيجات كانت صلة القربى فيها من الدرجة الأولى (ابن العم وابن الخالة). أما نسبة الزيجات من الدرجة الأولى من جهة الأب (ابن العم) فبلغت 13% وهي أعلى مما هي عليه من جانب الأم (ابن الخال) (7%), في حين أن 15% من الزيجات كانت من الدرجة الثانية. في دراسة سكانية عن زواج الأقارب في الأردن عام 1984، قام بها الدكتور سامي خوري أستاذ الطب في الجامعة الأردنية على ألفي أسرة؛ تبين أن 50% من الزيجات في الأردن تتم بين الأقارب.
الأردن لم يمنع زواج حاملي جين التلاسيميا لسببين، بحسب أستاذ علم الاجتماع في جامعة مؤتة الدكتور حسين محادين, "ترك حرية الاختيار باستكمال الزواج يمكن النظر إليه من زاويتين، الأولى تتعلق بمشروع الزواج, حيث إن القانون تعامل مع الإنسان كإرادة حرة، أي أنه قد وضع المعلومة بين يديه وترك للزوجين حرية الاختيار بين أن ينحازا إلى عواطفهما أو إلى المنطق والعلم.
والزاوية الثانية وترتبط بالمجتمع، كما يقول المحادين، إذ إن جعل الاختيار بيد الأزواج قد يحدد مصير المجتمع، حيث إن هذا الشخص الحامل للمرض سيقودنا في حال تزوج من حاملة للمرض وأنجبا, إلى أن يكون دور الأسرة ضعيفا بل لا فائدة منه، ما سيقلل من إمكانية نمو وتطور المجتمع وموارده البشرية بشكل طبيعي، فضلا عن أنه مكلف للمجتمع.
وبحسب تصريحات رئيس قسم الأمراض غير السارية في وزارة الصحة الدكتور محمد الطراونة، فإن عدد مرضى التلاسيميا المسجلين حتى نهاية عام 2008 هو 1400 مريض، مشيرا إلى أن تقديرات وزارة الصحة تبين أن الزيادة السنوية المتوقعة تتراوح ما بين 80 و90 حالة جديدة.
يؤدي الخلل الجيني بحسب الدكتور الكسواني إلى إنتاج هيموغلوبين غير طبيعي, ويؤدي إلى سرعة تكسير كريات الدم الحمراء وتصبح فترة حياتها شهرا أو أقل بدلا من أربعة أشهر، وهو العمر الطبيعي للكريات الحمراء في دم الإنسان.
مأساة مرضى التلاسيميا أم معاذ أم لأربعة أطفال مصابين بمرض التلاسيميا, أكبرهم 16 عاما وأصغرهم 13 عاما، تشرح معاناتها قائلة: "لم أتوقف عن الحمل طمعا في أن يرزقني الله طفلا سليما، فضغوطات العائلة في إنجاب طفل سليم أغفلت عيني عن معاناة أطفالي". وتتابع حديثها: "أصطحب أطفالي إلى المستشفى مرتين كل شهر لأخذ وحدات الدم والعلاج، حيث يتم تعطيلهم عن المدرسة, ما أدى إلى تأخرهم الدراسي". حسب الأطباء، فإن الأطفال الذين لا يصب لهم الدم مبكرا والمصابين بمرض التلاسيميا, يعيشون لعدة سنوات فقط, وفي حالة عدم المتابعة وأخذ العلاج النازع للحديد وكذلك عدم أخذ الدم بانتظام؛ تحدث تغيرات عظيمة شديدة وخاصة على الوجه، كما يؤدي ذلك إلى تأخر النمو والبلوغ, إضافة إلى الإصابة بمرض السكري وبعض المضاعفات الأخرى على القلب, وكذلك تضخم الكبد والطحال وترسب الحديد في أجهزة الجسم يؤدي إلى ضعف في وظائفها. هذه الحالة تعيشها الطفلة رهام الراقدة على أحد أسرة مستشفى البشير, تقول أمها: إن لديها ثلاثة أطفال مصابين بالتلاسيميا, وإن رهام "12" عاما هي أكبرهم، وإن حالتها ساءت بسبب التأخر في تشخيص تلك الحالة.
إلى ذلك يوضح مدير البنك الوطني للدم الدكتور نضال أرشيد, أن وزارة الصحة تحمل على عاتقها تأمين الدم لمرضى التلاسيميا من دون متبرع، الأمر الذي يزيد من أعباء البنك الوطني للدم، مبينا أن البنك يؤمن 800 وحدة دم لمرضى التلاسيميا شهريا, حيث تكلف كل وحدة مبلغ 40 دينارا للفحوص الطبية غير آخذين بالحسبان تكلفة الحملات التي ينفذها البنك الوطني للدم لجمع التبرعات. وأضاف أن أكثر من 50% من مرضى التلاسيميا فصيلة دمهم A سالب وهي فصيلة دم نادرة، ما يزيد من عبء تأمين الدم لهؤلاء المرضى. ويوصي الأطباء القائمون على الفحص الطبي قبل الزواج بإقامة مختبرات خاصة بالفحوص قبل الزواج تابعة إلى دائرة مستقلة في وزارة الصحة تسمى دائرة الفحص الطبي قبل الزواج، تقوم بدراسة الأماكن التي تكثر فيها الإعاقات الوراثية كمنطقة ساكب في محافظة جرش على سبيل المثال وتقدم لأهل المنطقة إمكانية الفحص الطبي قبل الزواج للكشف عن أمراض وراثية غير التلاسيميا. كما أن إنشاء دائرة مستقلة سيمكّن الوزارة من ضبط وتوثيق البيانات كافة المتعلقة بالفحوص الطبية قبل الزواج على مستوى المملكة.