كشف عدد من قيادات البحث العلمي في أربع جامعات سعودية عن أهمية رفع الإنفاق الحكومي على الأبحاث التي تكتسب أهميتها من حاجة المجتمع إليها، وإمكانية الإفادة من نتائجها في دفع التنمية وتعزيز المكاسب الحضارية المتحققة. وأكدوا أن الميزانيات المخصصة للبحث العلمي في الجامعات مازالت دون المأمول لو قارنا ذلك بضخامة مخصصات الجامعات في الميزانية العامة للدولة. فعلى سبيل المثال، لم تتجاوز نسبة الإنفاق على البحث العلمي في جامعة أم القرى 1.59% من إجمالي ميزانيتها للعام الحالي التي تبلغ مليارين و690 مليون ريال، فيما بلغت نسبة الإنفاق على البحث العلمي في جامعة الدمام 0.41% من إجمالي ميزانيتها البالغة مليارين و 907 ملايين ريال. أما في جامعة القصيم، فبلغت النسبة 0.29% من إجمالي الميزانية البالغة مليارين و 350 مليون ريال. وتعكس هذه النسب مؤشراً مهماً على ضآلة الإنفاق على البحث العلمي في الجامعات السعودية، حيث مازالت القائمة طويلة وتدور أرقامها في المتوسط حول تلك النسب. ميزانية متواضعة
يقول عميد البحث العلمي في جامعة القصيم الأستاذ الدكتور يوسف عبدالله السليم إن جامعة القصيم شهدت نمواً كبيراً، حيث بدأت بسبع كليات عام 1426 ووصلت في وقتنا الحالي إلى قرابة 40 كلية، كما زاد عدد طلابها من 14 ألف طالب وطالبة عام 1426 إلى نحو 70 ألف طالب وطالبة، وبالتأكيد تبع ذلك نمو في ميزانية البحث العلمي خلال الأعوام الماضية. وبيّن السليم أن ميزانية البحث العلمي في الجامعة لهذا العام 1434 بلغت نحو 14 مليون ريال بينما بلغت في العام الماضي 12 مليوناً وفي ميزانية عام 1432 بلغت 10 ملايين ريال. ويبرر السليم هذا الإنفاق على البحث العلمي في الجامعة فيقول لا يمكن لأي بلد أن ينمو دون الاعتماد على البحث العلمي، فأي حضارة لم تقم إلا على البحث العلمي والاكتشاف والتطوير، وما نحياه في وقتنا الحالي من حضارة يعتمد في الأساس على البحث العلمي. وقال إن الدول تتسابق الآن على الابتكارات والاختراعات لأنها تعزز اقتصاداتها وتنمي وتطور مجتمعاتها، ويجب أن لا ينظر إلى ما يخصص للبحث العلمي من اعتمادات مالية على أنه إنفاق بل هو استثمار طويل المدى. لذا، والحديث مازال للسليم، فمهما خصص للبحث العلمي من مبالغ فلن اعتبرها ضخمة، ويجب أن نعلم أن متوسط ما يخصص للبحث العلمي في البلدان المتقدمة يصل إلى 2.2% من الناتج المحلي. وقال إن المملكة دخلت في خريطة البحث والتطوير العالمية لأول مرة عام 2012 ولكنها مع الأسف خرجت منها عام 2013 وهذا يعني أن المملكة تنفق أقل من 0.25% من الناتج المحلي على البحث العلمي. وقد يرجع السبب في ذلك إلى ضعف مساهمة القطاع الخاص.
دعم خاص للبحوث الصحية
وأوضح السليم أنه خلال السنوات الخمس الماضية، تقدم لعمادة البحث العلمي في جامعة القصيم ما يربو عن 2000 مقترح بحثي قامت العمادة بتحكيمها وفحصها ومراجعة ما يتفق منها مع رؤية ورسالة الجامعة وما يخدم المجتمع المحلي والوطني وتم دعم ما يقارب 700 بحث علمي. مبيناً أن عديداً من الدراسات العلمية طبقت فعلياً وأثبتت جدواها، ونحن في جامعة القصيم نركز على تلك الدراسات التطبيقية التي تعالج قضايا تمس المجتمع وتحل مشكلاته وتذلل العوائق والصعوبات التي تواجهه. لكنه أكد أن تطور البحث العلمي لا يقاس بعدد الأبحاث بقدر ما يقاس بالنتائج البحثية لهذه الأبحاث ومدى استفادة المجتمع المحلي الوطني منها. وبيّن أن نسبة الأبحاث الصحية المدعومة من عمادة البحث العلمي وتشمل كليات العلوم الطبية، والصيدلة، والعلوم الطبية التطبيقية، والتمريض وطب الأسنان بلغت 50 ? من الأبحاث، فيما شكلت الأبحاث المتعلقة بمجالات الهندسة بشكل عام ما يقارب 15% من مجموع الأبحاث المدعومة، أما أبحاث الهندسة المعمارية فلم تتجاوز نسبتها 1% والسبب في ذلك يرجع لحداثة إنشاء الكلية. وفنّد السليم مخصصات البحث العلمي في الجامعات مبيناً أن جزءاً منها يخصص لدعم الأبحاث والجزء الآخر ينفق على أوجه متعددة تدخل في إطار أنشطة البحث العلمي كالرحلات والزيارات العلمية والتفرغ العلمي وعقد المؤتمرات والندوات. وما يخصص لدعم الأبحاث فأنه ينفق بناء على لوائح وأنظمة تشرع ذلك الإنفاق. ويمكن القول إن الجزء الأكبر من الإنفاق على الأبحاث العلمية يصرف لشراء الأجهزة والأدوات. وأشار إلى أن ميزانيات البحث العلمي في الجامعات السعودية تأتي من مصادر مختلفة منها وزارة المالية والأوقاف العلمية والكراسي البحثية وعبر الشراكة من خلال اتفاقيات تعاون مع القطاع الخاص. وتقدر هذه الميزانيات بناء على الاحتياج الفعلي للدراسات والأبحاث المتوقع إجرائها.
مخصصات لا تكفي
من جانبه، أكد وكيل جامعة الدمام للدراسات العليا والبحث العلمي واستشاري المخ والأعصاب في مستشفى الخبر الجامعي الدكتور عبدالسلام السليمان أن ميزانية جامعة الدمام للبحث العلمي للعام الحالي بلغت 12 مليون ريال خصص منها ستة ملايين لمركز الاستشارات الطبية ووزعت على 200 بحث علمي فاز بغالبيتها القطاع الطبي ثم القطاع الهندسي والعلوم الإنسانية، مبيناً أن الميزانية توزع على طالب الدراسات ومستشاريه ومعدات البحث والرحلات البحثية. وقال إن البحوث تنقسم إلى بحوث المنح الصغيرة وهذه يدخل الإنفاق عليها ضمن ميزانية عمادة البحث العلمي وتبلغ تكلفتها 200 ألف ريال لكل باحث، أما في حال كانت تكلفة البحث العلمي عالية (بالملايين) فيتم التقدم بطلب إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية وتسمى بحوثاً استراتيجية. لافتا إلى أن الميزانية الحالية للجامعة غير متناسبة مع عدد البحوث التي يستطيع طلاب الدراسات العليا في الجامعة إنجازها.
تحسن مستوى الناتج البحثي
وقال إن المؤشرات الصادرة من طمسون رويترز، التي تعني بتقييم مستوى الدول من حيث إنتاجيتها من البحوث العلمية الجيده أظهرت تحسناً في مستوى ناتج البحث العلمي في المملكة من إجمالي الناتج العلمي العالمي من 1% عام 2000 م إلى 4% عام 2011م، ويأتي هذا التحسن في ظل تزايد الإنفاق العالمي على البحث العلمي لا سيما دول جنوب شرق آسيا، لافتا في الوقت ذاته إلى تغير مجالات البحث العلمي في المملكة من التركيز على الإلكترونيات وتقنية المعلومات إلى التركيز على مجالات الطاقة والصحة والتقنية الحيوية وتقنية الأعمال. وقال إن مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية هي من تحدد أطر البحث العلمي التي تلتزم بها المراكز البحثية وعمادات الجامعات، بمعنى الانتقال من العلوم المطلقة للعلم المبني على الاقتصاد وهي عملية تغيير تستغرق وقتاً طويلاً ويجب أن يؤخذ في الاعتبار عدة عوامل أبرزها المتلقي وأهلية أعضاء هيئة التدريس واحتياجات المجتمع. وشدد على أن البحث العلمي مفيد كنتاج تطبيقي، مشيراً إلى أن جامعة الدمام ستنشئ مكتباً مستقلاً لبراءات الاختراع سيقوم عليه أعضاء هيئة التدريس. وبيّن أن ترجمة الفائدة من البحوث على أرض الواقع قليل جداً ويأخذ وقتاً طويلاً. وقال يصعب المقارنة بين أسباب اختلاف ميزانيات البحث العلمي في الجامعات إلا لو وحدنا المعايير التي تتم بناء عليها المقارنة فخبرة ومستوى أعضاء هيئة التدريس تتحكم في الميزانية كما يتحكم فيها أيضا مستوى البحوث التي تنتجها.
160 ألفاً للبحث
من جانبه، أكد عميد معهد البحوث العلمية وإحياء التراث الإسلامي في جامعة أم القرى الدكتور عادل عسيري أن نسبة مشاركة الكوادر السعودية في إنجاز أبحاث المعهد تصل إلى 90%، مبيناً أن المعهد أقر 262 بحثا من الأبحاث التي تم تقديمها إليه من خلال أعضاء هيئة التدريس العاملين في مراكزه البحثية. وقال إن هذه الأبحاث تم رفعها بعد النظر في تكاليفها المالية إلى مدير الجامعة الدكتور بكري عساس، الذي اعتمد لإنجازها مبلغا ماليا يقدر ب 42 مليونا و798 ألف ريال، وهو ما يعني أن مخصصات البحث الواحد تجاوزت 160 ألف ريال. وأكد أن هذا المبلغ كافٍ لتغطية كافة الاحتياجات المالية للأبحاث. وأشار إلى أن المعهد سيرفع بمقترحات هذه البحوث إلى لجان علمية محكمة من جامعات دولية للنظر فيها، فإذا أجازوها ووجدوا أنها تستحق التمويل، منحنا الباحث 25% من قيمة البحث دفعة أولى، وبعد 5 أشهر يرفع الباحث تقريراً عن ما تم إنجازه في البحث ويحال التقرير إلى لجنة محكمة أيضا للنظر فيه، وبعد إجازته، يمنح الباحث الدفعة الثانية، وهكذا. وأوضح عسيري أن كل بحث ينجزه فريق بحثي مكون من باحث رئيس وباحثين مشاركين، ومساعدين من حملة الماجستير والبكالوريوس من الطلاب والطالبات. وشدد على أهمية نشر البحث في مجلة علمية مرموقة ومحكمة بعد انتهائه من أجل اعتماده لدى المعهد، لافتاً إلى أن النشر العلمي عنصر مهم في عملية تصنيف الجامعات. وكشف عسيري عن خطة لإيجاد أربعة معامل بحثية ضخمة تكون خاصة بالمعهد، لافتا إلى أن الباحثين الآن يجرون دراساتهم في كلياتهم وفي معاملها، وهي معامل تناسب الطلاب أكثر مما تناسب الباحثين المختصين.
اهتمام بأبحاث التربية
وكشف المتحدث الإعلامي في جامعة تبوك الدكتور محمد الثبيتي عن إنفاق 24 مليوناً و 287 ألفاً و360 ريالاً لتمويل 346 بحثاً علمياً في جامعة تبوك خلال الفترة من 1429ه و حتى 1433ه. وبيّن أن نصيب الكليات من هذه الأبحاث بلغ 209 أبحاث، منها 106 أبحاث في كلية التربية و 49 بحثاً في كلية العلوم، و17 في كلية الهندسة، و11 في كلية الحاسبات وتقنية المعلومات، و10 في كلية العلوم الطبية، و 9 في كلية المجتمع، و 5 في كلية الطب، و2 في كلية إدارة الأعمال، بينما نُفذت البقية على مستوى الجامعة بحيث يقوم بها أعضاء هيئة التدريس لتطوير إجراءات العمل، والرفع من مستوى الأداء. وأكد الثبيتي أهمية أن يكون البحث العلمي المُحرِّك الأساسي لأي منظمة تنشد التطوير، مبيناً أن الجامعة أولت، من هذا المنطلق، جُل اهتمامها لتشجيع أعضاء هيئة التدريس للقيام بأبحاث علمية تخدم الحقل الأكاديمي، وتصل فوائده إلى المجتمع الذي يُعد جزءاً لا يتجزأ من اهتمام الجامعة.