أتصور أن مشكلة النفايات التي تنتج عن المشاعر المقدسة في موسم الحج ، هي مشكلة عالمية بامتياز ، ومن ثم لا تنفع معها الحلول التقليدية ولا النظرة الضيقة ولا منطق المسكنات اللحظية التي نوقف استعمالها بزوال المشكلة. لنحتكم جميعاً إلى لغة الأرقام، فهي اللغة الرسمية المجردة عن الأهواء ، ومنها ننطلق إلى جوهر المشكلة ، وربما تفلح محاولاتنا في اقتراح بعض الحلول. فبحسب دراسة هي الأولى من نوعها في معهد أبحاث الحج ، توصل الباحث المهندس عبد الله السباعي إلى أن ما ينتج عن مكةالمكرمة يعادل 6,9% من مجموع النفايات التي تنتجها المملكة إجمالاً في العام ، على الرغم من أن مساحة مكة تمثل فقط 5,26% من مساحة المملكة ، وأن ما تنتجه منى وحدها في خمسة أيام خلال موسم الحج يزيد عن ثلث ما تنتجه مكة في العام!! الأرقام جد صادمة ، وهي صادرة عن دراسة لنيل درجة الدكتوراه أستغرق إعدادها ثلاث سنوات بعنوان" كمية ونوعية النفايات الناتجة عن مخيمات الحجاج بمشعر منى "، يعدها السباعي في جامعة ليدز البريطانية. تبلغ مساحة المملكة تبلغ 2 مليون و150 ألف كيلو متر مربع ، تنتج نفايات قدرها 10 ملايين ونصف المليون طن سنوياً من إجمالي 169 مدينة وقرية وتقدر قيمتها بنحو 36 مليار ريال سعودي ، فيما تبلغ مساحة مكةالمكرمة ما يقارب 550 كيلو متراً مربعاً ، تنتج سنوياً 720 ألف طن من النفايات، بينما تبلغ مساحة منى 8 كيلو مترات مربعة فقط ، وتنتج 17 ألف طن من النفايات الصلبة في خمسة أيام فقط - فترة الحج – وهكذا بالنسبة لمساحة مكةالمكرمة ومقارنتها بمساحة منى ، فإن منى لا تمثل سوى 1,5 % من مساحة مكةالمكرمة ، لكنها تنتج 2,5 % من مجموع النفايات الناتجة في مكة طوال العام في خمسة أيام فقط. الأرقام مرعبة وتقديراتها لدى خبراء اقتصاد القيمة مضاعفة، حيث يتحدثون عن قرابة مليون طن مخلفات تنتجها جميع مناطق المشاعر خلال فترة الحج ، تقدر قيمتها بنحو ملياري ريال سعودي، وينتج هذه النفايات ثلاثة ملايين حاج من 83 دولة- بحسب الإحصاءات الرسمية القابلة للتمدد لعدم وجود إحصاء دقيق حول عدد المفترشين.مشكلة نفايات المشاعر المقدسة ليست جديدة ولا هي فجائية ، وإنما هي قديمة منذ شرع الحج قبل نحو 14 قرنا من الزمان، وهي تتفاقم بتضاعف أعداد الحجيج عاماً تلو الآخر. كذلك من الإنصاف الاعتراف بأن معهد أبحاث الحج سبق وتناول هذه المشكلة في عدة دراسات سابقة ، كما تناولها مركز فقيه للأبحاث والتطوير عام 1997م في دراسة عنوانها" واقع النفايات في مكةالمكرمة وتدويرها".هذه الدراسات وغيرها حللت وشخصت ، دون أن يشعر بها أحد ودون أن يستفاد بنتائجها أحد، فغابت الحلول وغرقنا لعقود في التشخيص والتنظير ، كما غاب البعد المتعلق بالحماية والوقاية والتوعية البيئية الجماهيرية من أجل بيئة مشاعر نظيفة ومستدامة. وللحق أقول إن أردنا بيئة سليمة صحية ومستدامة ، فعلينا التعامل مع مشكلة النفايات بحجمها ، وتناولها من منظور دولي ، لإيماني التام أنها تبدأ من موطن كل حاج ، قبل أن تطأ قدماه البقاع المقدسة ، ومن هنا تكتسب هذه الصفة الدولية مستندة إلى ذلك المزيج الفريد من الألوان والجنسيات واللغات واللهجات والثقافات والأعراق لملايين أتوا من كل فج عميق.تعالوا نقولها بصراحة إن نفايات الحاج الهندي غير نفايات السنغالي وكلاهما غير البنغالي والأوروبي أو الأمريكي أو العربي . تعالوا نتفق على ضرورة وضع اشتراطات صحية بيئية إلزامية صارمة قبل استقبال الحجيج ، ولا أعني فقط التطعيم المتعارف عليه، ولكن أقصد تحديد ضوابط ومعايير للسلوك الغذائي والبيئي الصحي السليم يلتزم بها الحاج قبل مغادرته لبلاده وأثناء إقامته بالمشاعر المقدسة وحتى مغادرته للمملكة عائداً مرة أخرى لوطنه. بحسبة بسيطة ومقارنة – مع الفارق – في العدد والزمن والمدة بين ركاب طائرة ضخمة تطير لنحو 18 ساعة متصلة إلى أقصى أمريكا أو استراليا أو الصين ، وبين حجاج يمضون نحو أسبوع في المشاعر المقدسة –ناهيك عن هؤلاء الذين يمضون أوقاتاً أطول قبل أداء المناسك وبعدها – لوصلنا للخلاصات التالية: - عدد ركاب رحلة الطائرة معروف سلفاً ولا يمكن تجاوزه ، وإلا اختلت الطائرة وعجزت طاقتها الاستيعابية وتأثرت خدماتها وتعرضت للأخطار، وفي رحلة الحج العدد غير معروف سلفاً ودائماً الأرقام تقريبية ، نتيجة للتزوير والتزويغ والحج دون تصريح وما يتبعه من افتراش يتحول إلى افتراس للمساحة وضغط على المرافق ، ونسف لكل الجهود التي تبذلها حكومة المملكة لإنجاح موسم الحج. - الأمر الثاني إن نفايات الركاب كما ونوعاً معروفة سلفاً ، نتيجة للقواعد الصارمة التي تفرضها أنظمة الطيران ويخضع لها الركاب صاغرين وأبسطها عدم جلب أطعمة أو سوائل من عندياتهم إلى متن الطائرة ، حيث يظل مصدر الغذاء الوحيد هو طاقم الطائرة. وفي رحلة الحج يأتي الحجيج من كل فج عميق وأغلبهم – نتيجة انعدام الوعي- يأتون بما اختلفت ألوانه من طعام وشراب لذة للشاربين ، نقمة على بيئة المشاعر ، وهنا يأتي السؤال: لماذا لا نتحكم في كم ونوع ما يقدم للحجيج من أطعمة وبأنفسنا خلال هذه الرحلة الإيمانية؟- "الأرقام تشير إلى نحو 50 مليون وجبة توزع على الحجيج في 3 أيام فقط"- لماذا لا نقنن المسألة اتساقاً مع ضوابط ديننا الحنيف ، الذي ينهي عن الإسراف في الطعام والشراب، ودون أن نمنع أهل الخير وسياراتهم الضخمة التي توزع خيراتها عشوائياً على ضيوف الرحمن ، فيتدافع الحجيج في مشاهد عبثية من القفز والخطف والتصادم للفوز بتفاحة أو علبة عصير! فلو قننا مسألة ما يأكله الحجيج وما يشربونه ، لعرفنا سلفاً وبدقة كم ونوع الغذاء الذي يناسب كل حاج وبتنسيق تام مع سلطات بلده، حتى ولو خصصنا وجبات لحجاج إفريقيا لها معلبات بلون موحد ، يختلف في لونه عما نوجه لحجاج آسيا ، وهكذا نتحول إلى معاهد التغذية والاقتصاد المنزلي وما أكثرها لإنجاز هذا الغرض، مع مخاطبة أهل الخير ورجالات الأعمال للمشاركة في تمويل هذه القوائم الغذائية من الأطعمة والمشروبات ، مع عمل تعميم صارم على حملات الحج في الداخل والخارج للالتزام بذلك. لنعترف جميعاً بضرورة التوعية البيئية الصارمة قبل موسم الحج وخلاله وبعده، بتنسيق تام مع سلطات الدول التي ترسل بعثات الحج، وحملات الداخل ووزارة الحج ومؤسسات الطوافة والرفادة وجميع الجهات المختصة. وهنا نقول بكل صراحة إن حملة الحج عبادة وسلوك حضاري التي انطلقت قبل سنوات ، وتضمنت رسائل توعوية مهمة حول ضرورة الحج بتصريح وحول عدم إلقاء المخلفات إلا في أماكنها " عين الله تراك" وغيرها من الرسائل ، كلها جهود طيبة لكنها لا تصل إلى الجمهور المستهدف ، خاصة أولئك المفترشون المفترسون لكل الجهود ممن لا يقرءون ولا ينطقون بالعربية!! وإذا كان موسم الحج يشهد ما يعرق بالإسعاف الطائر وطب الحشود ، فإننا بحاجة إلى دليل لحماية البيئة وليس فقط لإصحاحها، دليل وقائي يجرم ويحرم ويراقب ويتابع ويحاسب بآلية تنفيذية قبل بدء موسم الحج وخلاله وبعده بأسبوعين على الأكثر. فالوقاية خير من العلاج والمنع أفضل وأقل كلفة من تدارك عواقب الممارسات البيئية العشوائية . تعالوا نقولها بصراحة إن دورات المياه التي تخدم الحجيج مهما بلغ عددها ، فهي تظل بضع آلاف ، لا تكفي لخدمة ملايين تحتشد في حيز مكاني وزماني محدد ومحدود رغم كل التوسعات . ومع إدراكي التام استحالة توفير دورة مياه صحية وآمنة لكل حاج وحاجة ، إلا أن ترك المشكلة هكذا ، وترك الأمر لاجتهاد كل حاج وعشوائيته، يؤدي إلى كوارث صحية وبيئية لا حدود لها ، حيث مشاهد قضاء الحاجة في الخلاء وما أكثرها بالمشاعر المقدسة ، فضلاً عن مشاهد افتراس مرافق وحمامات الفنادق المحيطة بالحرم من غير الحجاج المقيمين بها وما أبشعها.ولابد أن نقر بضرورة توفير علاج ناجع للمشكلة . أعود للحملات وأقول إذا التزمت الحملات بتقديم الغذاء والإعاشة المتفق عليها كماً ونوعاً لحجاجها وبشكل يومي، وكذا التزمت بسحب مخلفات الحجيج من مخيماتها يومياً ، مع تطبيق معايير المراقبة والإصحاح البيئي الصارمة عليها ، بمعرفة جهات مختصة ، لها صلاحيات الضبط وعقاب المخالفين بغرامات فورية رادعة ، وإجراءات عقابية أخرى من بينها رفع اسم الحملة من قائمة الشركات المسموح لها بتنظيم حملات الحج، ونشر هذا في الصحف مع تكريم وإثابة الملتزمين، أتصور أن تسهم هذه الإجراءات في تحجيم المشكلة. تظل مشكلة الافتراش وما يترتب عليها من مشكلات عدة ، بحاجة إلى وقفة رادعة تتجاوز حدود التوعية والإرشاد إلى المحاسبة والعقاب ، فليس هناك أبشع من منظر حاج تسلل واحتضنته الأراضي المقدسة فتمتع بالمناسك ، فأخذ يرد الجميل بقضاء حاجته ويطلق نفاياته اليومية على الرصيف وفي الشارع، فإذا ما قرر العودة إلى بلاده ، ألقى بخيمته الممزقة وإحرامه في عرض الطريق!. جهود المملكة لإنجاح موسم الحج لا ينكرها إلا جاحد، فمشاريع التطوير لا تتوقف – بفضل من الله سبحانه وتعالى – ومشاريع التوسعة تتوالى بمليارات الريالات، والكل في انتظار المشروع العملاق ، خطة التطوير الشاملة للعاصمة المقدسة ، أقصد مشروع خادم الحرمين الشريفين للتوسعة الكبرى للحرم المكي ، بكفة تتجاوز مئة مليار ريال، ومع هذا المشروع تودع العاصمة المقدسة الوسائل التقليدية للتعامل مع النفايات والمخلفات ، لتحل محلها أنابيب الشفط الآلية الثابتة، التي تشفط المخلفات من المشاعر المقدسة إلى خارجها، اعتبارا من العام المقبل بديلاً عن الآليات المتنقلة، وسيتم وضع هذه الأنابيب في موقعين بمشعر منى ، كم تخصص مواقع لحاويات النفايات تدعمها فرق الإسعاف البيئي الطائر، بحيث تشفط النفايات وتتجه إلى المرادم، وينقل الفائض جواً بناقلات مخصصة لهذا الغرض. أتصور أن المشاريع لم ولن تتوقف ، وأتصور أكثر ضرورة التفاعل معها بإيجابية، فطاقة الشباب لابد وأن تستثمر في فعل الخير ، ويقيني أن قدرات شركات النظافة الحالية بأعداد عمالتها المحدودة ، لن تكفي لحل المشكلة، فحجم المخلفات خلال أيام الحج فقط قد تصل إلى نحو 100 ألف طن ، والتطوع مطلوب من جانب شباب هذا الوطن ومن جانب المرافقين لوفود الحجيج .. الذين أقول لهم : تطوعوا من أجل بيئة مشاعر نظيفة مستدامة. إن صور الخير عديدة، لا تقف فقط عند حد توفير وجبات وأطعمة وأدوية للحجيج، أو حتى خيام ومظلات تقيهم الحر والمطر ، صور التبرع والتطوع عديدة فشركات وطنية كبرى يمكنها أن توفر البشر وتوفر رواتبهم لقاء تنظيف منطقة المشاعر. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تنطلق من هذا البلد الحرام مبادرات لشركات وطنية ورجال أعمال يدركون أبعاد مسؤولياتهم الاجتماعية ، فيوفرون المعدات والحاويات والناقلات والبشر لنظافة المشاعر.وبحيث أرى إعلانات ضخمة بالشوارع وفي وسائل الإعلام العربية والدولية ، تدعو الشباب إلى التطوع لنظافة المشاعر المقدسة ، ضمن حملة توعية أشمل تنطلق قبل موسم الحج بفترة وتوفر أعمال التدريب اللازم للمتطوعين قبل انطلاق أعمال الحج. حملة تتبناها الجامعات وأجهزة وهيئات الشباب والمؤسسات المعنية. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تتبنى الشركات الوطنية مشروعاً قومياً ضخماً لتدوير نفايات المشاعر تحت مظلة مشروع أضخم يختص بتدوير نفايات جميع مناطق المملكة. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن لا تكف مؤسسات البحث والابتكار والتقنية وشركات المنشآت المتنقلة ، عن توفير بدائل جديدة ومبتكرة ، صحية وآمنة لدورات مياه عصرية ثابتة ومتنقلة ، لخدمة أغراض الحج وكذلك العمرة خاصة في شهر رمضان المبارك، لإيماني الشديد أن بين الحجيج والمعتمرين شيوخاً ضعافاً ومرضى سكري، وذوي احتياجات خاصة ، لا نتصور حجم حاجتهم لحل هذه المشكلة التي أعجزت الأصحاء الأسوياء. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن يتحول الحاج أو المعتمر من مجرد ضيف إلى شريك أصيل في تحمل مسؤولية نظافة المكان الذي يحل به ، فيحقق الإصحاح البيئي ، ويمتثل لأنظمة هذا البلد الكريم ومن قبلها يلتزم شرع الله في إعمار الأرض وصونها.وحسناً فعل معهد أبحاث الحج هذا العام بإطلاق حملته " تصدق بها ولا تلقيها" بالتعاون مع جامعة ليدز البريطانية، ضمن مشروع أراها بادرة طيبة ، هو مخيم الحج الأخضر ، لتوعية الحجاج بسبل المحافظة على نظافة مكةالمكرمة والمشاعر المقدسة. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تختفي ظاهرة الافتراش ويختفي المفترشون بمشاهدهم وسلوكياتهم المخزية التي تشبه البقع السوداء في إحرام الحج ناصع البياض. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تختفي عوادم الحافلات التي تصف بالساعات في الطرقات والأنفاق ، تنفث سمومها في سماء المشاعر المقدسة ،وتستنفد رصيد الصبر من الحجاج والمعتمرين ، وتفسد عليهم مناسكهم كما أفسدت الجو بعوادمها التي فاقت المعدلات العالمية بمراحل. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تنتهي السلوكيات والمشاهد المؤسفة حول صنابير مياه زمزم، تلك السلوكيات التي يكشف بعضها عن جهل بالدين ، الذي يحض على عدم الإسراف في المياه ، حيث لازلت أرى بشراً يغمرون أنفسهم وذويهم صباح مساء بمياه زمزم في مشاهد عجيبة ، مغايرة تماماً للحض على عدم الإسراف في المياه ولو كنا على طرف نهر جار. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن يفسح كل شخص أتاه الله مالاً وقدرة ورغبة – فتمتع بأداء الفريضة – أن يفسح المجال لغيره في الأعوام التالية ، فليس من العدل في شيء أن تأخذ مكان غيرك فتحرمه أو تزاحمه ، لا لشيء سوى قدرتك مقابل ضعفه وعجزه. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تخضع المطاعم المحيطة بالحرم والمشاعر المقدسة للرقابة الصارمة فيما تجلبه من عمالة تفتقد الحد الأدنى من الاشتراطات الصحية والبيئية ، وفيما تقدمه من أطعمة رديئة المستوى. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تختفي مشاهد الحلاقة العشوائية ، أعني التحليق والتقصير على أرضية الحرم في نهاية السعي عند المروة تحديداً؛ ومروراً بالحلاقة على الأرصفة المحيطة بالحرم وكذلك الشوارع المؤدية إليه ، حتى لا تؤذي عيوننا وصحتنا مشاهد الدم المسال - نتيجة العشوائية وازدحام الصوالين المختصة – وأطنان الشعر الذي ينتشر على الأرصفة ويسد المجاري المائية ومواسير الصرف الصحي ويؤدي إلى طفحها ، ناهيك عن المخاطر الصحية والأمراض الفيروسية ، خاصة الكبدية التي تتربص بممارسي هذه السلوكيات ومن حولهم. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تختفي مشاهد النحر العشوائي في محيط المشاعر المقدسة ، وما يرتبط بها ويترتب عليها من مخلفات بالأطنان من ملوثات وميكروبات تهدد سلامة الحجاج بالأمراض الفتاكة حال تركها لفترة وجيزة دون نقلها للمرادم. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن تلتزم الحملات والجهات المختصة بعمليات تعقيم ورش دورات المياه ضد البعوض والذباب ، سواء بمبيدات اليرقات أو الحشرات ، فالمكافحة المتكاملة لهذه الحشرات سواء في دورات المياه أو المطابخ بالحملات والمطاعم ، لا تكلف شيئاً إذا قورنت بكلفة علاج الأمراض والأدوية والتنويم. كنت وما زلت أحلم وأتمنى أن يتم تسيير الحافلات باستخدام الوقود النظيف الخالي من الرصاص ، والتحول إلى الغاز الطبيعي ، بل وتسيير الحافلات بالكهرباء ، خاصة إذا علمنا أن عدد الحافلات التي تخدم الحجيج يتجاوز ال 30 ألف حافلة . وإلى أن يتحقق حلمي ويتم تفعيل المسوح البيئية وتحديد المعايير البيئية الواجب الالتزام بها، وقتها لن نعاني من ملوثات الهواء التي تكلف حكومة المملكة مليارات الريالات. أحلق بحلمي بعيداً لأرى قطار المشاعر وقد وصل إلى الحرم ، وأحلق في الفضاء بحلمي لأرى يوماً ما أسراب المروحيات تقل الحجاج من ذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن – وليس القادرين مادياً – تنقلهم بين المشاعر ، وتخصص لها مهابط خاصة ، وبهذا يتشتت الزحام وتتنوع وسائل النقل وتخف وطأة الضغط عن قطار المشاعر وتقل معاناة شريحة واسعة من حجاج بيت الله الحرام. أحلامي هي مجرد مقترحات وتصورات لحلول ربما تهبط من سماء الحلم إلى أرض الواقع عما قريب.