تمارس وزارة الشؤون البلدية والقروية خنقاً على الجمعيات التعاونية، وأدى ذلك إلى تكبيلها والحد من انتشارها في المدن والقرى السعودية على الرغم من أنها تحمل صك نجاحها فيما تيسر لها من نشاط على الأرض. وتتمثل عمليات الخنق والتكبيل للجمعيات في عدم مرونة الوزارة في منح أو تأجير الأراضي للجمعيات بسعر رمزي، كما ورد في نظام الجمعيات الصادر من مجلس الوزراء، وأدى ذلك إلى شل عملية تمدُّدها في السعودية. وقد لا يكون واضحا للكثيرين أن الجمعيات التعاونية فيما يتعلق بالنشاط في مجال المواد الغذائية، وهو المهم للمواطن، ظهرت على الأراضي السعودية عام 1962 وفي مدينة الدرعية التي شهدت أول جمعية تعاونية ومازالت في الخدمة حتى الآن وينعم حملة أسهمها بالأرباح السنوية. وما يُقال عن جمعية الدرعية يُقال أيضا عن جمعية جامعة الملك سعود التعاونية التي تقع في الحرم الجامعي وحملة أسهمها من سكان السكن الجامعي، وهناك أيضا جمعيات لا تتعدى أصابع اليد الواحدة في بقية مناطق المملكة. تلك نماذج حيّة وملموسة لم يكتب لغيرها التمدُّد ليس لعوائق مالية ولكن لعوائق بيروقراطية أو مزاجية، رغم سلامة موقفها القانوني، كونها جمعيات حاصلة على موافقة عليا لممارسة نشاطاتها. كما أن قرار اعتماد نظامها ولائحتها التنفيذية ميّزها بالحصول على تسهيلات في الإنشاء من خلال وزارة الشؤون البلدية والقروية بتأجيرها أراضي بأسعار رمزية لإقامة منشآت الجمعيات، لكن حال دون التنفيذ الكثير من التعقيد. وحسب موقع وزارة الشؤون الاجتماعية المشرفة على نشاط الجمعيات التعاونية، فإن عددها يبلغ في السعودية 165 جمعية متعددة الأغراض منها الزراعية والسمكية والتسويقية والمهنية والإسكانية، وعدد أعضاء تلك الجمعيات المنتخبين 51 ألفا. كما لا بد من الإشارة إلى الموقف المالي لتلك الجمعيات التي توضح الأرقام المتوافرة أنها في وضع مالي ممتاز، إذ تبلغ رؤوس أموالها 171 مليون ريال، واحتياطياتها 398 مليون ريال، وحجم تعاملاتها 380 مليون ريال، وموجوداتها 657 مليون ريال. وهذا يعني أنها في وضع مالي مريح يمكنها من الانتشار متى ما توافرت الأماكن المناسبة داخل أحياء المدن وبالسعر الرمزي من وزارة الشؤو ن البلدية والقروية. ولعل اقتطاع جزء من المرافق والحدائق العامة لمصلحة الجمعيات في الأحياء الجديدة والقديمة حلٌّ مناسبٌ لتحريك عجلة تمدُّد الجمعيات في أماكن أخرى خدمة لسكان الحي. وسأركزهنا على الجمعيات التعاونية ذات النشاط في مجال المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية على غرار جمعيتي الدرعية والملك سعود كونهما الأقرب إلى احتياجات المواطن بشكل عام. واسمحوا لي أن أقول (لو) أن الجمعيات التعاونية انطلقت في التمدُّد في بلادنا مع انطلاقة أول جمعية تعاونية في الدرعية بكل سهولة ويسر ومن دون تعقيدات، أقول (لو) لأصبح عدد الجمعيات الاستهلاكية يفوق العشرة آلاف أو أكثر. ورقم بهذا الحجم (لو) كان يعمل منذ عشرات السنين، فإن في مقدورالجمعيات (لو) حدث ذلك أن تكون قوة مؤثرة في السوق يُحسب لها ألف حساب في حفظ توازنه. كما أن بإمكانها أن تلعب دور صانع السوق بالنسبة لأسعار المواد الغذائية وستقلب الطاولة في وجه جشع التجار، كما أنها بحجمها الكبير قادرة على التفاوض مع تجار الداخل والخارج من موقع قوة، وكل ذلك ينعكس على الأسعار لمصلحة المستهلك. وأيضا (لو) كانت قائمة منذ ذلك الوقت، وفق عمل مبرمج ودقيق، فإن المتطفلين على أسواق المواد الغذائية من تجار التجزئة غير المنظمين لن يكون لهم وجود مثل انتشار البقالات العشوائي في كل مكان. كما أن هناك إيجابيات كثيرة منها أن نشاط مثل ذلك يعود بالفائدة على المساهم فيه من حيث الأسعار والعائد المالي لمساهمته فيه بحصوله على أرباح سنوية أو نصفية، إضافة إلى تعميق ثقافة مبدأ التعاون والعمل الاجتماعي ورسم الخطط التنفيذية وأنشطة العمل التعاوني المشترك. وإذا كان هناك من مثل حي يستحق أن يضرب به المثل هو ذلك المعمول به في الكويت التي تنتشر فيها الجمعيات التعاونية في كل حي من أحيائها لخدمة سكان الحي، ونشأ عن هذا الانتشار قيام خدمات أخرى بجانبها، كون هذه الجمعيات قد تحولت أيضا إلى مراكز جذب استثماري لنشاطات أخرى. ولا أبالغ في القول إن المقيم في أي حي من أحياء محافظات دولة الكويت غنيٌّ عن الذهاب إلى مكان آخر كون جميع الخدمات في الغالب التي يحتاج إليها موجودة في حيه أو في منطقته، كما تسمى في الكويت، مثل المراكز الصحية والبنوك والمطاعم وغيرها. إن النموذج الكويتي من النموذجية بمكان الأخذ به كمرشد ودليل لانتشار الجمعيات التعاونية المأمول في بلادنا بعد حل مشكلة تعقيدات الحصول على الأراضي لإقامة المنشآت في الأحياء من حيث انتخاب أعضاء مجالس إدارات الجمعيات ونظم عملها ومن حيث أيضا هيكلية قوائمها المالية. مع ملاحظة أن المساهم في أي من الجمعيات التعاونية الكويتية يستفيد سنويا بمنحه عشرة في المئة من قيمة مشترياته سنوياً، إضافة إلى الأرباح الاعتيادية. كما أن هناك نقطة جوهرية تضاف إلى نجاح الجمعيات التعاونية في الكويت وتتمثل في الدعم الحكومي لها من خلال تفضيلها على التجار في الاستيراد والإعفاءات الجمركية. يبقى القول: إن التوسع ودعم قيام الجمعيات التعاونية مطلب ضروري لمصلحة المواطن، ومن الضروري فرش طريقها بالتسهيلات لا التعقيدات، وخاصة تلك التي تعمل في مجال المواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وسيكون ذلك بمنزلة الرادع لتجار الجشع من التلاعب بالأسعار. وستلعب هذه الجمعيات دور حماية المستهلك كونها صانع فاعل ومؤثر في السوق أفضل وأقوى من تلك الجمعيات القائمة لحماية المستهلك التي لا تملك أدوات الردع وإخافة تجار الجشع الذين في العادة لا يلتفتون لجعجعة (حماة المستهلك) في وسائل الإعلام. (محمد السلوم)