لعل أهم إجراء اتخذ في الحوادث الأخيرة التي كان طرفها بعض موظفي هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في تبوكوالمدينةالمنورة، وجرى نشر ملابساتها صحافيا؛ هو ما قرّرته هيئة الرقابة والتحقيق في المدينة إيداع 5 من أعضاء الهيئة السجن العام إلى حين عرض قضيتهم على الدائرة المختصة في المحكمة الإدارية. وجاء ذلك القرار بعد حادثة مداهمة، دون إذن رسمي، لموقع في عمارة سكنية، بدعوى وجود رجال ونساء في وضع مخل على سطح العمارة، الأمر الذي أدى إلى إصابة اثنين من المتهمين أثناء قفزهما من سطح البناية. وخلص المحققون في قرار الاتهام تجاه أعضاء الهيئة في هذه الحادثة، إلى إساءة استغلال السلطة، والتسبّب في إحداث إصابات لشخصين جرّاء المداهمة التي تمت دون الحصول على إذن مسبق من جهة الاختصاص، وهي هيئة التحقيق والادعاء العام، (جريدة الوطن 7 أبريل 2010). مثل هذا الإجراء من جهاز رقابي، هو هيئة الرقابة والتحقيق، مطلب ضروري، بل إنه من صلب أدوار الرقابة على الأجهزة الحكومية المختلفة، ومن بينها هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ إذ من المؤمل أن يقود مثل هذا الإجراء النظامي إلى مراجعة قيادات هيئة الأمر بالمعروف أداء بعض منسوبيها، ومحاسبتهم على ما يقعون فيه من تجاوزات وتعدٍ على النظام والقوانين، بدلا من إيجاد التبريرات المختلفة لظروف الوقائع تلك، ومثيلاتها، أو استخدام لغة الهجوم على الصحافة بنَفَس اتهامي خطير، لدرجة أن قال المتحدث الرسمي في تعقيب وجهه لصحيفة عكاظ "ومن الخطر أن يتحول التعاون والتنسيق (يقصد بين الهيئة والصحافة) إلى خصومة لمجرد اختلاف في وجهات النظر أو عدم قناعة ببعض التطبيقات القائمة على نظام الدولة وتحكيمها الشريعة"، (عكاظ، 13 أبريل 2010 ). وأعتقد أن دور هيئة الرقابة والتحقيق، والجمعية الوطنية لحقوق الإنسان، يجب أن يكون فاعلا في هذا الإطار؛ لأن بعض القيادات في الهيئة أصبحت تختزل الحوادث التي يرتكبها بعض منسوبيها وتتابعها الصحافة بالتناول، والرصد، والنقد، إلى "خلاف" بين رؤية الهيئة في معالجة تلك المسائل، ورؤية الصحافة المختلفة تجاهها؛ وهذا هروب من المسؤولية ومواجهة الأخطاء، ما يفرض على جهات الرقابة الأخرى - إلى جانب الصحافة - أن تُفعّل من دورها في متابعة تلك الحوادث، والإعلان عن موقفها صراحة عبر وسائل الإعلام، حتى لا يتم تسطيح قضايا مجتمعية تمسّ كرامة الناس وحقوقهم المدنية وكأنها خلاف في وجهات النظر بين جهازين مختلفي المهام والأدوار. والحقيقة أن بعض الحوادث المقلقة التي يقع فيها بعض عناصر هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تستدعي إجراءات حازمة وجادة من قبل قيادات الجهاز ذاته، عبر تفعيل إداراته الرقابية الداخلية لمحاصرة الأداء الاجتهادي لبعض العناصر، والفروع التابعة للرئاسة، والتحلي بالشجاعة في مواجهة التصحيح الذاتي، بعيدا عن تبني التبريرات، ومحاولة إيجاد نوايا حسنة لتلك الأخطاء، أو الاعتماد على التوجيهات المثالية الوعظية لرجال الهيئة التي نسمعها بين الحين والآخر من قبل تلك القيادات. وقد شهد تعيين الشيخ عبد العزيز الحمين رئيسا للرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قبل 14 شهرا، قدرا كبيرا من التفاؤل في أن يحدث ذلك التعيين نقلة نوعية في أداء الهيئة ومنسوبيها، خاصة في مجال التعاطي الميداني، وهو الذي يمثل أكبر إشكالات الهيئة المتكررة مع المجتمع، لكن المتابع، خاصة فيما تعكسه الصحافة من رصد ميداني لبعض القضايا، يلاحظ من وقت لآخر أن بعض المشكلات بنوعيتها وظروفها تتكرر، وربما أحيانا تتطابق، كما كانت تحدث قبل أعوام.. صحيح أن هناك محاولات جرت لإحداث تطوير وتصحيح في أداء الجهاز، من أهمها: استحداث وحدة لحقوق الإنسان، لكن أثر هذه المحاولات لم يظهر بشكل فاعل في تجنب الإشكالات المتكررة حتى الآن. ومؤخرا دعا الشيخ عبد العزيز الحمين موظفي الهيئة إلى تثقيف أنفسهم، بعد أن حذرهم من الشدة في التعامل مع الناس، عبر محاضرة ألقاها في ملتقى توجيهي للهيئة في أبها (جريدة الحياة 11 أبريل 2010). والأصوب أن يقوم الجهاز بعمل دؤوب وجاد في تثقيف أفراده بالتعاطي النظامي والقانوني في الميدان، كمسؤولية مؤسسية، لا أن ينتظر من الأفراد تثقيف أنفسهم، إضافة إلى أنه من المهم اليوم، في ظل الحوادث التي ترصدها الصحافة من وقت لآخر، أن نقرأ عن بيان من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن إجراءات عقابية داخلية رادعة لتلك التجاوزات، كما نأمل أن تضطلع الجهات الرقابية خارج الجهاز بالإعلان حول ما تقوم به من إجراءات نظامية في مواجهة تلك التجاوزات، إحقاقا لمبدأ الشفافية الذي أكدت عليه الخطة التنموية التاسعة للدولة الصادرة أخيرا. [email protected]