حققت قبيلة بني ظبيان شهرة واسعة تجاوزت وطنها اليمن من خلال رصيد راكمته من حيث الكم والنوع بنسبة 70 % من إجمالي الاختطافات القبلية التي شهدتها البلاد على مدى قرابة 25 عاماً. هذه الشهرة للقبيلة تضاعفت قبل قرابة عام حينما وقف رئيس كتلة الأغلبية البرلمانية لحزب المؤتمر الشعبي الحاكم سلطان البركاني، تحت قبة مجلس النواب، يدعو حكومة حزبه لإقامة علاقات دبلوماسية وتبادل السفراء وفتح السفارات مع جمهورية بني ظبيان، مؤكداً أن حسم حوادث الاختطافات التي أقدمت عليها عادةً يتم بأموال "البنك المركزي وليس كتائب الأمن المركزي". ولم تقتصر عمليات الاختطاف، التي في الغالب يتم اقتياد ضحاياها من وسط العاصمة صنعاء، يرتدي الخاطفون خلالها زيا عسكريا، على الأجانب من سياح ودبلوماسيين وخبراء وموظفين يعملون في اليمن، لكنها طالت اليمنيين، خاصة رجال الأعمال وأقاربهم ومسئولين بارزين في الدولة، كان أهمهم وزير الأشغال الحالي حينما كان والده وزيراً لذات الوزارة قبل سنوات مديدة.
دوافع مختلفة
وعلى عكس الدوافع المعلنة لبقية القبائل اليمنية التي تقدم على الإختطاف، وأهمها المطالبة بخدمات ومشاريع أو لاسترداد حقوق أو الإفراج عن معتقلين، فإن اختطافات بني ظبيان أبرزها ارتبط بمطالب لآخرين من خارج القبيلة لجأوا إليها مستنجدين بها –حسب الأعراف القبلية- لاسترداد حقوق يدّعونها لدى أجهزة الدولة أو رجال أعمال أو شخصيات نافذة.
ورغم أن عام 2009 كان متخماً بالاختطافات وأبرزها شقيق رجل الأعمال نبيل الخامري، إلا أن وزارة الداخلية اليمنية قالت إن جريمة التقطع والاختطاف سجلت انخفاضاً بنسبة 34,48 % خلال النصف الأول لعام 2009، بنقص عددي مقداره 10 جرائم عما كانت عليه في الفترة ذاتها من 2008. وذكرت إحصائية للوزارة أن نصف 2009 الأول شهد وقوع 19 جريمة تقطع واختطاف، ضبط منها 17 جريمة، ارتكبت في 8 محافظات من إجمالي 22 محافظة يمنية، وجاءت محافظة لحج في جنوب البلاد في مقدمتها ب 7جرائم تلتها محافظتا شبوة والجوف ب 3جرائم في كل منهما، فيما توزعت بقية جرائم التقطع والإختطاف على 5 محافظات أخرى أغلبها تعد محافظات مدنية باستثناء عمران جريمتين، جريمة واحدة في كل محافظة منها (ريمة، البيضاء، تعز)، وغابت في الإحصائية محافظة صنعاء التي تقع في إطارها قبيلة بني ظبيان ومحافظة مأرب التي تشتهر بالإختطافات بعدها.
وكثاني أكبر مديرية من حيث المساحة بمحافظة صنعاء التي تضم إدارياً المناطق المحيطة بالعاصمة تقع مديرية بني ظبيان في منطقة خولان الطيال جنوب شرقي صنعاء بمساحة تقدر بألف و744 كيلو مترا مربعا، وتعد الأقل في عدد السكان، حيث يصلون إلى 16 ألفا و262 نسمة في ألفين و21 مسكن (قرية) يقطنها ألف و998 أسرة وفق آخر تعداد عام للسكان عام 2004. وعلى الرغم من وجود أكثر من 16 نقطة عسكرية على الطريق الممتدة من داخل العاصمة صنعاء إلى مديرية وقبيلة بني ظبيان، إلا أن أفرادها استحوذوا على 7 حالات اختطاف من إجمالي 11 حالة أقدمت عليها القبائل خلال 4 أشهر من عام 2009. يجد الخاطفون بغيتهم بسبب وعورة الطريق إلى المنطقة وتضاريسها الجغرافية الممتدة وسط سلسلة جبلية على شكل مخروطي قاحل تتخللها القليل من الوديان وتحيط بها أربع محافظات من جهاتها الأربع، لكن طريقا أخدوديا ضيقا هو مدخلها الوحيد لتلك المحافظات الأربع. صفقة المليون دولار عشية عيد الأضحى المنصرم كان وكيل أشهر السيارات الامريكية ورئيس الشركة اليمنية للسياحة والفندقة رجل الأعمال نبيل الخامري، يحتفي بالإفراج عن شقيقه الأصغر من قبضة خطافين ينتمون لبني ظبيان ظل في قبضتهم قرابة 5 أشهر. وخلال إتصال مراسل (عناوين) بالخامري اكتفى الأخير بتلاوة بيان مقتضب وزعه على الصحافة حول إنهاء الخلاف مع الخاطفين والإفراج عن شقيقه عبد الملك، وتحفظ عن النفي أو التأكيد للأخبار التي ذكرتها صحف يمنية حينها وتصريحات على لسان الخاطفين أن صفقة أبرمت وفق الأعراف القبلية دفع بموجبها 210 ملايين ريال (اكثر من مليون دولارأمريكي) لإغلاق ملف خلاف نشب قبل قرابة 10 سنوات وسقط خلاله قتيل من القبيلة أثناء محاولة إختطاف الخامري نفسه.
وكان الخلاف بين الطرفين قد بدأ عقب لجوء شخص من حضرموت (شرق اليمن) إلى أفراد في القبيلة مدعياً أن الخامري أعطاه شيكا دون رصيد قيمته 40 ألف دولار يتعلق بصفقة زئبق أحمر تم تصديرها إلى خارج اليمن، كانت ضمن الغنائم التي خلفتها حرب 1994، وانهزمت فيها قوات الحزب الاشتراكي في الجنوب الذي حظي بدعم الإتحاد السوفيتي لعقدين سياسياً وعسكرياً ومن بينها الزئبق الأحمر كما أشيع حينها. وفي عمليات الإختطاف التي طالت الأجانب، سجل الألمان المرتبة الأولى كضحايا لبني ظبيان، يليهم الهولنديون والإسبان والبريطانيون، ومن العرب كان الوحيد نجل القائم بأعمال السفارة الليبية بصنعاء، ومن اليمنيين، إلى جانب وزير الأشغال الحالي، فقد اُختطف نجلا أمين العاصمة صنعاء ومحافظ عدن الأسبقين أثناء شغلهما للمناصب، ومدير السجن المركزي ومهندسون ورجال أعمال وأقاربهم وصحفي واحد. واقتصر الاختطاف للنساء على الأجنبيات فقط لتشدد الأعراف القبلية في ذلك، لكنها طالت الأطفال، أحدهم نجل أحد جيران الخامري ظناً منهم أنه نجله، ونجل شقيقه توفيق، ولم يتجاوز المسنين حيث اُختطف قاض متقاعد ورجل أعمال تجاوز عمراهما الثمانين عاماً أحدهما استمر في قبضتهم أكثر من عام.
تجريم قانوني وتحفظ يعد القانون اليمني الاختطاف جريمة حرابة ويفرض على مرتكبها عقوبات مشددة تصل حد الإعدام تعزيراً، وتختص بالنظر في حوادثها المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة، وإضافة لذلك فإن مشائخ وأفراد قبيلة بني ظبيان كشأن كل اليمنيين يستنكرون الاختطافات ويعتبرونها خروجاً عن قيم وعادات وتقاليد القبيلة اليمنية والعربية وحتى الخاطفون الذين لا يشعرون بالحرج وهم يدلون بتصريحاتهم للصحافة وتلتقط لهم الصور، فهم يؤكدون على ذلك ويستدركون عادةً أنهم يلجأون لذلك اضطراراً بسبب غياب القانون وعدم استقلالية القضاء.
ورغم رصيد قبيلة بني ظبيان المرتفع من حالات الاختطاف التي شهدها اليمن خلال ربع قرن وتصاعدت وتيرتها الأعوام الأخيرة، إلا أنه حتى الآن لم يسجل عليها أي حالة قتل للمخطوفين أو أي أضرار جسدية سواء كانوا يمنيين أو غير يمنيين، بل إن الكثيرين منهم، خاصة الأوروبيين، يتحدثون دائماً عن كرم الضيافة الذي يحظون به بين أحضان الخاطفين مع الشكوى فقط من قساوة الحياة التي عاشوها ويعيشها أبناء القبيلة البعيدة عن العصر الحديث وخدماته. وعادةً يتحفظ الخاطفون عن الإدلاء للصحافة بأي تفاصيل عن أموال تقدر بالملايين حصدوها كفدية غالباً ما تلجأ الحكومة اليمنية أو السفارات التي يكون رعاياها ضحايا للاختطاف إلى تقديمها لهم مقابل الإفراج عن المخطوفين سالمين، ويمنح بعضهم فدية من نوع آخر على هيئة تعيينات في وظائف ومناصب حكومية. والأمر لا يختلف بالنسبة لمقدمي الفدية فهم لا يتحفظون فقط، بل ينكرون ذلك في العادة.