مرت على بلادنا أزمان عُرفت بأسماء حوادث عظام وقعت فيها مثل سنة السبلة وسنة الدبا وسنة الجوع وسنة الهدام وسنة الطبعة وسنة جهيمان وسنة الغزو وإن كان لي ان أسمي هذه السنة وهي سنة 1434 ه من الهجرة فأنا اسميها «سنة المعلم» فلا ينازع ما حدث للمعلم في بلادنا اي حدث فاستحق هذا العام هذه التسمية عن جدارة. إن ما يحدث في مدارسنا من مخالفات يشترك فيه المعلم والطالب وولي الأمر ووسائل الإعلام وأئمة المساجد ووزارة التربية والتعليم ولابد من اتخاذ خطوات تصحيحية تضمن عدم تكرار ما حدث ضمن خطة إصلاح شاملة لمسيرة التعليم العام في بلادنا. وهل هناك حدث أسوأ وأعظم من ان يقتُل طالبُ معلمه؟؟ اين نعيش ؟؟ ماذا جرى وماذا حدث ؟؟ أهذه هي التربية الحديثة؟ أهذه هي أساليب التعليم الجديد؟؟ أم ان ما جرى سيجعلنا نعود مسرعين الى الجحيشة (الفلكة) والى العصا أو «مسعودة» كما كان يطلق عليها مدرسي الفلسطيني. سمعنا عن حوادث قتل كثيرة، لكن ان يقتل طالباً معلمة فهذه كبيرة وسمعنا عن حوادث إيذاء طلبة لمعلميهم، لكن ان تصل الى القتل فهذا لم نسمع به ولا يمكن التغاضي أو السكوت عنه. والله الذي لا إله الا هو انها لكبيرة في حق المعلم وفي حق منسوبي التعليم من معالي الوزير الى أصغر من ينتسب للتعليم، بل إن ما جرى لكبيرة في حق الوطن. لماذا مر هذا الحدث مرور الكرام؟!! لماذا لم نسمع إلا بيانات مقتضبة ومقالات مختصرة وكأن ما جرى حدثٌ عادى يقع باستمرار وفي كل مكان؟!! لقد انتهكت حرمة العلم والتعليم بهذا الحدث الشنيع فمهما جرى ومهما حصل بين الطالب والمعلم يجب ألا يصل الى مرحلة القتل وإن كنا لا نريد ان نستعجل الأمور، لكننا نأمل من الجهة المسئولة ان تطلعنا على حقيقة الأمر وبأسرع وقت. فالذي أدى الى إزهاق روح المعلم أفضى الى قلق كل ولي أمر طالب وقلق كل معلم فما حدث يمس كل أفراد المجتمع. صاحبي الذي عمل في التعليم الى ان تمت إحالته الى التقاعد يقول : « إننا إن لم نتدارك الأمر فسوف نرى العديد من حوادث القتل للمعلمين في مدارسنا». لا حول ولا قوة إلا بالله اذا كان توقع صاحبي صحيحاً فياخسارة العلم وتعليمنا للأجيال اذا كانت التربية والعلم الذي يتلقاه التلميذ في المدرسة لا يربيه، بل يجعل منه قاتلاً ولمن ؟؟ قاتلاً لمعلمه الذي قال عنه أمير الشعراء أحمد شوقي : قُم لِلمُعَلِّمِ وَفِّهِ التَبجيلا * * كادَ المُعَلِّمُ أَن يَكونَ رَسولا أَعَلِمتَ أَشرَفَ أَو أَجَلَّ مِنَ الَّذي * * يَبني وَيُنشِئُ أَنفُساً وَعُقولا نعم لقد أصبح أحد تلاميذنا قاتلاً للذي قيل في حقه : « من علمني حرفاً كنت له عبداً». اين تبجيل المعلم الذي هو ليس مطلب اليوم، بل كان المعلم مبجلاً على مر العصور والأزمان فهذا العالم المسلم (الكسائي) يربي ويؤدب ابني خليفة المسلمين في زمانه هارون الرشيد، وهما الأمين والمأمون وبعد انتهاء الدرس في أحد الأيام ، قام الإمام الكسائي فذهب الأمين والمأمون ليقدما نعلي المعلم له ، فاختلفا فيمن يفعل ذلك، وأخيراً اتفقا على أن يقدم كل منهما واحدة، ورفع الخبر إلى الرشيد، فاستدعى الكسائي وقال له : من أعز الناس ؟ قال: لا أعلم أعز من أمير المؤمنين قال : بلى ، إن أعز الناس من إذا نهض من مجلسه تقاتل على تقديم نعليه وليا عهد المسلمين ، حتى يرضى كل منهما بأن يقدم له واحدة فظن الكسائي أن ذلك أغضب الخليفة فاعتذر الكسائي ، فقال الرشيد : لو منعتهما لعاتبتك، فإن ذلك رفع قدرهما. وفي موقف آخر من مواقف إكرام المعلم ما روي عن الإسكندر لما سُئِل : لِمَ تُكرم معلمك فوق كرامة أبيك فقال : إن أبي سبب حياتي الفانية ومعلمي سبب حياتي الباقية. ما أحلى الزمان القديم وما أجمل ايامه وما أروع ذكراه. والله إن النفس لتبتهج عندما نتذكر ايام دراستنا العامة ونتذكر علاقتنا بمدرسينا ونتذكر كيف كانوا يؤدون الامانة على أكمل وجه. قد لا نكون نحبهم في وقتها لكننا عرفنا قدرهم لما صرنا كباراً، لكن سواء كنا نحبهم او لا نحبهم في ذلك الزمان إلا ان المعلم كانت له هيبة لا تضاهيها هيبة ، بل هيبتهم كانت أحيانا أكبر من هيبة الوالدين وكان كل ما يقولونه مُقدمٌ على كل قول وكنا نهرُب اذا لمحناهم خارج المدرسة، بل نرتعدُ خوفاً لو شاهدونا نلعب في الشارع فهل يَخطر على بال أحد ان نتجرأ ونرفعُ صَوتنا على مُعلمنا ؟؟ فضلا ان نقتله!! أستطيع ان أسَطر عدة صفحات عن رأيي الخاص عما حدث وعن التعليم. فلقد درست داخل وخارج الوطن ودرس ابنائي داخل وخارج الوطن، لكن أريد ان يدلي رجال التعليم بدلوهم ويشخصوا حال تعليمنا المريض وان تكون الوقاية من المرض اولى خطوات العلاج، ويمنعوا الاسباب التي أدت الى استفحال المرض الى ان وصل الى درجة يكون فيها القتل أسلوب التعامل بين التلميذ ومعلمه. إن ما يحدث في مدارسنا من مخالفات يشترك فيه المعلم والطالب وولي الأمر ووسائل الإعلام وأئمة المساجد ووزارة التربية والتعليم ولابد من اتخاذ خطوات تصحيحية تضمن عدم تكرار ما حدث ضمن خطة إصلاح شاملة لمسيرة التعليم العام في بلادنا. تويتر - @IssamAlkhursany