دخلت عليه في مكتبته العامرة وشربنا الشاي الأخضر سوياً وكان في حالة «نقم» عامة على كل شيء من حوله ، فما يأتي ذكر أحد إلا ويكيل عليه بالملامة والعتاب ويعطيني كشف حساب شاملا ودقيقا عن تجاوزاته التي لا تغتفر بحق صاحبنا الغضبان وهذه القائمة امتدت من الأبناء والزوجة إلى الأصدقاء والأعداء ، وكانت موجة نقمته أعلى من محاولة الاحتواء التي حاولت أن أخفف بها عن صاحبنا . إني أدعوك يا صاحبي إلى ثقافة التسامح والتجاوز ، فالتنازل ليس ضعفاً بل هو استثمار طويل الأجل يدفع الطرف الآخر إلى تنازل مماثل أو إحساس بالتقصير يدفعه للتعويض أو شعور بالامتنان يهب علاقتكما الثنائية الألفة والجمال وربك يقول في محكم التنزيل : ( والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين ). الذين تحبهم ياصاحبي يستحقون العفو ، والذين لا تحبهم لا يستحقون هذه المساحة من قلبك ، وإذا قالت لك نفسك يوماً : إن فلاناً لا يستحق التسامح فقل لها : قلبي العظيم يستحق العطاء استمع ياصاحبي لبراتراند راسل وهو يقول : ( الحياة أقصر من أن نقضيها في تسجيل الأخطاء التي يرتكبها غيرنا في حقنا أو في تغذية روح العداء بين الناس ) ، فاستمتع بحياتك ياصاحبي بين أشجار العفو وحدائق التسامح . إني أدعوك ياصاحبي أن تفتح قصص السيرة التي كانت خلفك ، وتعيد قراءة قصة الرسول مع قومه ، ولكن هذه المرة تصفحها بعيني قلبك ، وشاهد نبيك محمد عليه الصلاة والسلام عندما قال لقومه الذين أخرجوه وحاربوه عندما قدر عليهم : ( اذهبوا فأنتم الطلقاء ) ، وتأمل في قصة أهل الطائف عندما أرسلوا السفهاء والغلمان ليخرجوا حبيبنا عليه الصلاة والسلام من الطائف حتى أدموا قدميه الشريفتين ويأتيه حينها ملك الجبال يستأذنه في أن يطبق عليهم الأخشبين ونبينا يرفض شهوة الانتقام ويقول : ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله ). رأيتك ياصاحبي قاضيا يحكم بالإدانة دائماً ، فليتك تجرب أن تكون قاضيا يحكم بإعطاء الفرصة تلو الأخرى ، فنحن معاشر البشر نحتاج لمن يضمن لنا أن نحاول من جديد . القلوب الغاضبة تموت مبكراً ياصاحبي ، والقلوب المعمرة تسقى بالعفو وتتطهر بالتسامح ، وغاندي الذي تحبه كثيراً كان يقول : ( إذا قابلت الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة ) . كنت ياصاحبي تثني على قدرة فهد على ترك التدخين بإرادة حازمة ، وأنا أقول إنك تملك القدرة على نسيان الماضي الأليم متى ما أردت ذلك . الذين تحبهم ياصاحبي يستحقون العفو ، والذين لا تحبهم لا يستحقون هذه المساحة من قلبك ، وإذا قالت لك نفسك يوماً : إن فلاناً لا يستحق التسامح فقل لها : قلبي العظيم يستحق العطاء . الحياة ياصاحبي ليست حلبة صراع يسعد فيها من كان أقوى ، ودوج هورتون يقول : ( في سعيك للانتقام احفر قبرين .. أحدهما لنفسك ). وأخيراً ياصاحبي أرجو أن تسامحني على هذا المقال ..