استوقفني مؤخراً رأي فضيلة الشيخ عبد الرحمن بن ناصر البرَّاك حول كُرة القدم، و أنها أم الآثام و أن نشر هذه اللعبة والعناية بها نوع من الأمور التي تصد الناس عن دين الله. لأنها أي كرة القدم تُضيع أوقات الناس وتشغلهم فيما لا ينفعهم. أقول استوقفني كل ذلك من فضيلته لعدة اعتبارات هي، أولاً أن الرجل تناول الموضوع من منظوره ومن معارفه وتكوينه العلمي والشرعي وهو رأي يتوجب احترامه والتفكر فيه خاصة وأنه يصدر من رجل عالم بأمور الدين، وسبق أن تولى التدريس و الإفتاء. وجاء رأيه عبر وسيلة عامة هي «تويتر» تتيح للكل أن يقول ما يقتنع به. ثانياً أن فضيلة الشيخ رعاه الله فتح لنا باباً لتوليد الأفكار في هذه الظاهرة وفي هذا الشأن ولكن من زوايا أخرى أو من وجهات نظر أخرى. ومن تخصصات ومرجعيات تكوينية مختلفة مما سيزيد من تلاقُح الأفكار و إثراء وجهات النظر. بمعنى أن لدينا الفرصة لنعرف رأي دارس الاجتماع والاقتصاد والسياسية وهذا مكسب للجميع. ما يلاحظه أبناء الثقافات التقليدية العريقة أن هناك أذرعه جبارة تريد التهام كل الثقافات بتمايزها وغناها وتفردها واختزالها في ثقافة كونية تنتج ليستهلك الجميع منتجها المادي والمعنوي دون أي حقوق في الاحتفاظ ببقايا الهوية المحلية للآخر ومن وجهة نظري الشخصية والتي لا أدعي بأنها القول الفصل في هذا الموضوع أتفهم تلمس فضيلة الشيخ لما يمكن أن أسميه بالإشارات الأكثر بروزاً لظاهرة ربما هي في الأطوار الأولى للتكون وأعني بذلك « العولمة» والعولمة كما هو معروف في دراسات العلوم الاجتماعية لم تجد إلى الآن تعريفا جامعا مانعا يتفق عليه أهل العلم والإعلام والسياسية، ويمكن الاقتراب من أكثر معانيها ثباتاً حتى الآن بأنها إعطاء صفة العالمي والدولي لموضوع محلي وتعميم ذلك المعنى بتبعاته السياسية والاقتصادية والقانونية والثقافية. بعبارات أخرى تحديد سلوك أو نشاط وتقنينه عالمياً وفرض شروط استمراره قانونيا في أذهان الملايين عبر الكرة الأرضية. كرة القدم التي تناولها فضيلة الشيخ شيء من هذا المنتج، وقبلها بدأت القوى القادرة على تشكيل و عولمة الكون أو التي تعتقد أنها كذلك على البدء بعولمة الطعام والمنتجات الاستهلاكية والكماليات، وعبر القفزة الكبيرة في وسائل الاتصال يمكن تلمس ما يمكن تسميته بعولمة الهويات الثقافية المتعددة لتكون ثقافة واحدة. ثقافة واحدة تجعل الطفل أو الشاب في رأس الخيمة مثلاً يقول:»أنا برشلوني» بمعنى أنه يشجع ويناصر ناديا أوروبيا، أو تجعل خبر بيع منتج جديد لشركة عالمية مثل آبل يُصور ويتابع ببيع المنتج في قارات العالم وكيف أن الملايين في الشرق والغرب يتهافتون على ذلك المنتج. أخطر ما في الموضوع الاستخدام الذكي والمنطقي من القوى القادرة عبر توظيف الاقتصاد وتكنولوجيا الاتصالات الحديثة والسريعة لخدمة السياسة التي تعني في إحدى صورها الهيمنة. ما يلاحظه أبناء الثقافات التقليدية العريقة أن هناك أذرعه جبارة تريد التهام كل الثقافات بتمايزها وغناها وتفردها واختزالها في ثقافة كونية تنتج ليستهلك الجميع منتجها المادي والمعنوي دون أي حقوق في الاحتفاظ ببقايا الهوية المحلية للآخر. ولعل هناك من يتذكر واحدا من أشهر من تولوا أمانة منظمة اليونسكو في الفترة1974-1987 السنغالي الفذ أحمد مختار أمبو والذي حاول بكل ما أوتي أن يطبق الأهداف العامة لها والتي هي باختصار « التعاون الثقافي والفكري الدولي» بصيغة تجد كل الثقافات في العالم مكاناً لها في فضايا اليونسكو، ولكنه قُوبل بأجندة دولية تريد هيمنة ثقافة عالمية واحدة. وهذا ما جعل دولة كبرى مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية تجمد عضويتها في هذه المنظمة.كثير من الأحداث منذ سبعينيات القرن الماضي تؤكد أن جُل ما سنشهده مستقبلا و ما عبر عنه فضيلة الشيخ بطريقته ، هو من إفرازات العولمة والله أعلم. @salemalyami