عكست جولة الرئيس الأمريكي أوباما إلى آسيا مباشرة بعد انتخابه إلى كل من تايلاند وكمبوديا وميانمار التوجه الاستراتيجي لدى إدارة أوباما وهو الابتعاد عن الشرق الاوسط والتركيز على آسيا في محاولة لمحاصرة صعود الصين، فهل ستكون السياسة بدلا من الاقتصاد عاملا في اعادة رسم مستقبل آسيا كما جرى لاوروبا في القرن الماضي كما يقول جون ميرشايمر أستاذ العلوم السياسية في جامعة شيكاغو. قد أشرنا في مقال سابق الى أن الاقتصاد الصيني بعد ما يقارب عقدا أو عقدين من الزمن سيكون أكبر اقتصاد في العالم أكبر من الولاياتالمتحدة وهو ما دفع إدارة أوباما في 2009 الى اطلاق الحوار الاستراتيجي- الاقتصادي بين الصين والولاياتالمتحدة على خلفية هذا التراجع الاقتصادي الكبير للولايات المتحدة، فالاقتصاد الصيني - حسب رأي كثير من خبراء المال والأعمال - أصبح يهدد السيادة الأمريكية على الاقتصاد الدولي. ففي حين لم يكن الاقتصاد الصيني يتجاوز 6 بالمائة من حجم الاقتصاد الأمريكي في مطلع الستينيات أصبح الآن يتجاوز 50 بالمائة من حجم الاقتصاد في الولاياتالمتحدة، الأمر الذي أدى إلى إرباك صناع القرار في الولاياتالمتحدة، وبالتالي لو استمرت معدلات النمو في البلدين على نفس وتيرتها الحالية فإن الاقتصاد في الصين - حسب رأي كثير من المحللين الاقتصاديين - من المتوقع أن يجتاز نظيره الأمريكي في عقد من الزمان على أقصى تقدير. يظهر أن الإدارة الامريكية في عهد أوباما مالت إلى تبني مدرسة المواجهة، حيث أعلن أوباما مطلع العام 2012 استراتيجيته الجديدة بنقل الاهتمام الأمريكي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد عشر سنوات من الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراقوعليه فإن الصين مساهم ديناميكي في الاقتصاد العالمي واستمرارها في الصعود يمكن أن يمثل تهديدا كبيرا في طبيعة النظام الدولي واشارة إلى العالم متعدد الأقطاب كما يرأى كبارالمحللين الأمريكيين أمثال فريد زكريا في كتابه: " عالم ما بعد أمريكا "، " صعود الباقين the ride of the rest. هناك مدرستان متباينتان داخل أمريكا للتعاطي مع الصين بين من يرى إعادة توازن العلاقات وضرورة "الاستيعاب التعاوني" للصين ممثلة في كتابات هنري كيسينجروزيرالخارجية الأمريكي الأسبق خاصة في كتابه "On China" ، الذي أكد فيه أن على واشنطن تقبل صعود بكين، وأهمية وجود تعاون سياسي بين كل من البلدين وتحالفات وثيقة أو إجراءات تشاورية تجنبا للصراع من أجل السيطرة على المنطقة، ومدرسة أخرى تدعو إلى مواجهة قوية لنفوذ بكين المتصاعد ممثل في كتابات أرون فريدبرج Aaron Friedberg أستاذ السياسة والشؤون الدولية في جامعة برنستون الذي عمل مساعد الوزير لشؤون الأمن القومي الأمريكي ومدير التخطيط السياسي خاصة في كتابه (الصين وأمريكا، والصراع علي السيادة في آسيا)A Contest for Supremacy: China, America, and the Struggle for Mastery in Asia . حلل فريدبرج في كتابه الاستراتيجيات التي تعاملت بها الصين والولاياتالمتحدة مع بعضهما منذ أوائل التسعينيات، وخلص أن الصين كانت على الدوام قوة ساعية إلى السيطرة، ولمواجهة نمو الصين وطموحها المتزايد، يجب على الولاياتالمتحدة أن تقف بقوة في مناطق النفوذ الصيني، ويقتبس فريدبرج في ذلك مقولة لي كوان يو رئيس وزراء سنغافورة السابق "إذا كنت لا تحقق الصمود في منطقة المحيط الهادئ لا يمكنك أن تكون رائدا على مستوى العالم"، ويقول فريدبرج: إذا كنا سنسمح للصين - غير الليبرالية - بأن تحل محلنا كلاعب حاسم في هذه المنطقة الأكثر حيويه فإننا سنواجه خطرا بالغا على مصالحنا وقيمنا في جميع أنحاء العالم، ويظهر أن الإدارة الامريكية في عهد أوباما مالت إلى تبني مدرسة المواجهة، حيث أعلن أوباما مطلع العام 2012 استراتيجيته الجديدة بنقل الاهتمام الأمريكي إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بعد عشر سنوات من الحرب الأمريكية على أفغانستان والعراق، وهو ما يمكن قراءته بوضوح من خلال مقالة وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة هيلاري كلينتون في مجلة «فورين بوليسي» التي أكدت بوضوح أن مستقبل السياسة الأمريكية سيتحدد في آسيا والمحيط الهادئ، في أفغانستان والعراق، ويأتي تصريح وزير الدفاع الأمريكي السابق، ليون بانيتا، لدى زيارته أحد موانئ فيتنام على خليج كام رانه قرب بحر الصين الجنوبي، بأن الولاياتالمتحدة تسعى إلى إعادة نشر أسطولها البحري الحربي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، ما يعد تأكيدا وتنفيذاً لاستراتيجية أوباما، ويؤكد بانيتا أن الوصول إلى مثل هذه الموانئ على بحرالصين هو حاسم بالنسبة إلى تحويل الولاياتالمتحدة 60 بالمائة من سفنها الحربية وغواصاتها ومدمراتها وسفنها القتالية الساحلية إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بحلول عام 2020.